استثمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الجيش الإماراتي استثمارا استراتيجيا متسلحا بإيمانه بالإنسان الإماراتي وبقدراته.
"حينما كان بعض حلفاء (الناتو) يسحبون قوّاتهم العسكرية من أفغانستان، أرسل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مزيدا من مقاتلات "إف 16" وأفراداً من "القوات الخاصة"، مزيحين ضغوطاً عن الجيش الأميركي من حيث تعويض النقص الذي حصل بسبب القوات المغادرة.
لم تكن هذه الفقرة التي وردت في كتاب وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس (استدعاء إشارة الفوضى Call Sign Chaos) مجرد حادثة تاريخية يرويها قائد عسكري كان مشاركاً في صناعة الحدث وشاهداً عليه، بل جاءت ضمن سياق الحديث عن التحالفات الدولية، وكيف تُبنى الثقة بين الدول، وكيف للقادة الحقيقيين أن يؤسسوا تاريخاً مشرفاً لدولهم، متسلحين بالمصداقية والوقوف إلى جانب حلفائهم في أصعب الظروف، وعندما تتعقد الأزمات وتنتهي إلى مفترق طرق.
إن التفوق النوعي ليس مجرد خطط وبرامج تركز على التطوير والتدريب، بل هو قبل كل ذلك إيمان بالقدرات وثقة بالكوادر وتوفير للظروف التي تسهم في إخراج أفضل ما لدى الإنسان، ففي ظل التنافس العالمي غير المسبوق وما يشهده العالم من تقلبات وتطورات متسارعة يصبح التركيز على التفوق ضرورة وليس ترفاً.
من يقرأ كتاب ماتيس يشعر بمدى الثقة التي يوليها العالم للإمارات، ففي ظل حالة الانفتاح غير المحدود الذي فرضته تطورات العصر، لا يمكن لأي دولة أن تسير وحدها في هذا الفضاء الواسع، بل يتحتم على الدول نسج تحالفات وشراكات تمكنها من بلوغ أهدافها، وهذا ما يؤكده وزير دفاع أكبر دولة في العالم بقوله: "أصدقاء مثل الإمارات وقفوا معنا حينما احتجنا إليهم".
هذا التقدير العالمي للإمارات ولجيشها هو نتاج رؤية ثاقبة وفكر استراتيجي تبنته قيادة الإمارات، فالدول لا يمكن أن تنهض اقتصادياً من دون أن تكون لديها قوة قادرة على حماية مكتسباتها ومنجزاتها، وقد برهنت الإمارات في السنوات الماضية على أنها باتت تمتلك قدرات عسكرية احترافية نالت إشادات واسعة من مختلف قادة جيوش العالم؛ إذ يصفها جنرال عسكري بحجم جيمس ماتيس بـ"أسبارطة الصغيرة".
لقد استثمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الجيش الإماراتي استثماراً استراتيجياً، متسلحاً بإيمانه بالإنسان الإماراتي وبقدراته الكبيرة على التفوق، لتصبح قواتنا المسلحة اليوم مثالاً في التميز، وقادرة بإمكاناتها النوعية على حماية الدولة وترسيخ نفوذها، باعتبارها إحدى أهم القوى الإقليمية، ورغم القوة المتحققة؛ فإن الجيش الإماراتي لم يكن يوماً جيشاً هدفه حماية الحدود فقط، بل جيش حامٍ للقيم والمبادئ ومدافع عنها، جيش صاحب رسالة هدفها السلام والاستقرار لجميع الشعوب والوقوف معها، فكانت قواتنا المسلحة في الصومال وكوسوفو وأفغانستان واليمن، إلى جانب حربها ضد قوى الظلام والتطرف في حملتها ضد "داعش" و"القاعدة"، وفي هذا السياق يذكر الجنرال جيمس ماتيس في كتابه: "الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وجيشه أظهروا التزاماً شديداً بمحاربة الإرهاب"، وهذه الشهادة ليست من أي شخص، بل من قائد خبر الأمور العسكرية والسياسية معاً.
لقد أدى خوض الجيش الإماراتي المعارك في البيئات العسكرية المختلفة، (بظروفها المناخية وطبيعتها الجغرافية المتنوعة، والتي قد تكون أحياناً من أقسى التضاريس مثل أفغانستان واليمن)، إلى تطوير قدرات الجنود وإكسابهم قابلية تكيف عالية مع مختلف الظروف، ورفع جاهزيتهم الخططية والعملياتية بشكل يضاهي أكثر الجيوش العالمية تطوراً وجاهزية، وقد قال عنهم القائد العسكري جيمس ماتيس: "إنهم ليسوا فقط على استعداد للقتال.. إنهم محاربون عظماء".
إن الدفع بقواتنا المسلحة إلى ميادين الدفاع عن السلام العالمي والوقوف، إلى جانب الحلفاء، إنما يعكس الفكر الاستراتيجي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حيث منحت هذه التجارب قواتنا المسلحة ميزات قتالية وتكتيكات ميدانية لا تتوافر لها في البيئة الإماراتية، وجعلتنا نطمئن إلى أن جيشنا قادر بجنوده البواسل وتسليحه المتطور على صد أي خطر يستهدف دولتنا، فضلاً عن تعزيز الثقة بالإمارات بوصفها دولة حليفة يمكن الاعتماد عليها، والوثوق بها.
يخطئ مَن يعتقد أن مكانة الدول وحضورها في المشهد الدولي مرتبطان بموقعها ومساحتها الجغرافية وعدد سكانها فقط، فما نشهده حالياً من بروز قوى جديدة وتحالفات متعددة الأطراف، وتطورات تكنولوجية هائلة، يؤكد أن النظرة المستقبلية والتفكير الاستراتيجي والاستثمار الفعلي لسنوات طويلة في قدرات الشعوب، والإيمان بها، جميعها عوامل رئيسية لترسيخ سمعة الدول والنهوض بها إلى مصاف الدول المتقدمة، لتكون شريكاً حقيقياً ولاعباً بارزاً في العلاقات الدولية.
هي إذن عوامل رئيسية يرى فيها الباحثون عن دروس القيادة نهجاً لتطور الدول ونهضتها، فإن تعززت بالثقة والتحالفات القوية البعيدة عن التكتيكات السياسية قصيرة المدى، شكلت بمجموعها الرافعة الأساسية لنهضة الدول، ووضعتها على خريطة النفوذ الدولي ومكنتها من الحفاظ على الإنجاز، والدفاع عنه، وهو أمر لا يقل أهمية عن الإنجاز بحد ذاته.
ولعل هذه العناصر في مجموعها تشكل استراتيجية التفوق النوعي التي وضع ركائزها الشيخ محمد بن زايد، حيث وضع نصب عينيه هدفاً رئيسياً متمثلاً في تعزيز مكانة الإمارات لتحلق بجناحي التفوق العسكري والاقتصادي معاً.
إن استراتيجية التفوق النوعي هي استراتيجية عمل لمختلف القطاعات والجهات، فنحن في الإمارات نعي تماماً أن عدد السكان ليس خياراً يمكن الاعتماد عليه، وحين وقف الشيخ محمد بن زايد متحدثاً إلى الشباب الإماراتي ضمن "مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل"، اختزل استراتيجية التفوق النوعي، حينما قال: "ليس أمامنا خيار إلا الاعتماد على النوعية"، ولعل الجيش الإماراتي هو المثال الناصع على نجاح هذه الاستراتيجية، وعلى جميع مؤسساتنا وجهاتنا أن تضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ الفعلي، بحيث توجه خططها وبرامجها للتركيز على التدريب والتأهيل، وبناء الإنسان القادر على التفوق والإبهار بغض النظر عن عدد الكوادر البشرية.
إن التفوق النوعي ليس مجرد خطط وبرامج تركز على التطوير والتدريب، بل هو قبل كل ذلك إيمان بالقدرات وثقة بالكوادر وتوفير للظروف التي تسهم في إخراج أفضل ما لدى الإنسان، ففي ظل التنافس العالمي غير المسبوق وما يشهده العالم من تقلبات وتطورات متسارعة يصبح التركيز على التفوق ضرورة وليس ترفاً.
نقلاً عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة