تلعب الإمارات دورا استراتيجيا بخطوات محسوبة في الفترة الأخيرة.
ولاقت خطتها الطموح لتطوير كافة قطاعات الدولة الحيوية والتنموية، للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، ضمن خطة شاملة تستهدف الاستعداد لخمسين سنة قادمة- استحسان العالم، خاصة أن التقلبات التي تضرب سوق النفط عالميا، ونجاح التحول الرقمي، أثبتا صحة الرؤية في التعامل مع التحديات الراهنة.
ولمستُ ذلك عن قرب خلال مشاركتي في مؤتمر السياسة العالمي الذي نظمته مؤسسة تييري دي مونبريال، مؤسس ومدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، الذي استضافته أبوظبي، ورغم ظروف الجائحة نجحت في احتضان هذا الحدث المهم، الذي جمع عددا من الوزراء والمسؤولين الأوروبيين والأفارقة، ومناقشة العديد من القضايا والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي حاليا.
وتوافقت استضافة المؤتمر مع مبادئ الخمسين، التي تحدّد توجهات الإمارات للخمسين سنة المقبلة، والتي تؤكد أن منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوّة الإنسانية، ويأتي من بين أهدافها ترسيخ السمعة العالمية لها كوجهة اقتصادية وسياحية وصناعية واستثمارية وثقافية واحدة.
بروح المودة وحسن الاستضافة رحّب سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، بالمشاركين، واستقبلهم مؤكدا الدور المهم الذي تلعبه دولة الإمارات في الفترة الأخيرة، وتطلعها للمستقبل بشغف وآمال كبيرة، وشرفت بمقابلته والتعرف منه عن قرب على رؤى الإمارات خلال السنوات القادمة، وعلى الرغم من زياراتي المتكررة لها، وتدريسي لطلاب جامعة السوربون أبوظبي، فإن مشاركتي في هذا المؤتمر كشفت لي جوانب مختلفة في دولاب عمل السياسة الخارجية الإماراتية، وجعلني أتوقع مستقبلا مشرقا لهذه الدولة التي تستحق كل النجاح.
ولاحظت استعداد الإمارات للتعامل مع السياسة الخارجية بشكل مختلف يتوافق مع التغيرات التي يمر بها العالم، فالتطبيع خطوة مهمة تتماشى مع أبجديات السياسة الدولية، وكيفية أن يكون لك صوت في المحافل الدولية، وأن تصنع من بلدك محور التحرك لحل عدد من القضايا، ولاحظنا التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في أزمة أفغانستان، إلى جانب الدور الذي تلعبه دبي فى الاقتصاد، وكذلك محور التقاء حركة الطيران بين الغرب وآسيا، وأي رحلة من أوروبا إلى آسيا لا بد أن تكون لك وقفة في مطاراتها.
لفت نظري أفكار الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، والكشف عن توجهات السياسة الخارجية لدولته في المرحلة المقبلة، والبحث في تحديات النظام الإقليمي والدولي، خاصة أنها تصدر عن شخص مثقف وصاحب رؤية، ويقدم أفكارا نقدية لقضايا مهمة راهنة، ومن ثم أثق أنه يحمل في جعبته الكثير من أجل وضع دولته في محور النقاش، والعودة لها قبل اتخاذ أي قرار، وهو أمر عظيم تستحقه الدولة التي منحت التعليم اهتماما كبيرا طوال سنوات ماضية، ووضع الشيخ زايد نواة قوية للعمل الجاد تجني بلاده ثمارها حاليا.
ومن حق كل إماراتي أن يشعر بالفخر والزهو حينما أصبحت الإمارات الأولى عربيًا والـ30 عالميًا على مؤشر أفضل دول العالم لجودة الحياة لعام 2021، حسب تصنيف مجلة "سي إي أو وورلد" الأمريكية، كما جاءت في المرتبة الرابعة عالمياً بمعدل الفقر عند خط الفقر الوطني، حسب تقرير مؤشر الازدهار 2020، كما أن اختيار الإمارات لاستضافة قمة المناخ عام 2023 هو نتاج الجهود الأخيرة في دعم قضايا المناخ.
ويحضرني ما أكده "قرقاش" من أن الإمارات تبذل كل ما في وسعها لتغليب لغة الحوار بين الدول، والنجاحات التي حققتها الاتفاقيات الإبراهيمية، ومن خلالها تم كسر الحاجز النفسي أمام السلام، وأن تسهم في تعزيز المصالح الاقتصادية المثمرة والعلاقات بين الشعوب، وهو ما يعبر عن رؤية وخطة واضحة وشخصيات مؤمنة بما تقوم به لصالح شعوبها وللمنطقة.
اللافت للنظر أن هناك قواعد يتم التعامل معها في مثل هذه القضايا، أساسها الاعتدال والاحترام والتسامح، إلى جانب التحول الرقمي الذي أثبت كفاءته في ظل جائحة كورونا، وهو ما يكشف عن وجود خطة واضحة المعالم تسير عليها الدولة، وأن هناك قنوات مختلفة تعمل في نفس الوقت، واستمرارية في التعامل، وهذا يعني أن العواصم الغربية تضع في الاعتبار التحركات الإماراتية.
أعتقد أن التجربة الإماراتية تستحق الإشادة بما وصلت إليه، والأرقام التي تحققها في التقارير العالمية لجودة الحياة، والانتعاش الاقتصادي، والخدمات المقدمة للمواطنين، وحسن إدارتها للملفات الإقليمية والدولية، وفق خطة مدروسة وليست وليدة الصدفة أو العشوائية.
نقلا عن المصري اليوم
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة