لقد اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة من مفهوم التسامح والتعايش المشترك منهجا ثابتا وعقيدة راسخة على مدار أكثر من خمسين عاماً.
واستطاعت الإمارات خلال تلك الفترة الزمنية أن تعزز بنجاح مشهود به علاقاتها الخارجية مع الجميع دون تشدد أو اتخاذ موقف متحفظ حيال أحد أعضاء المجتمع الدولي، وتقاربت من التجارب الإنسانية كافة، واحتفت مع الشعوب والثقافات كافة في مناسباتها المختلفة، ولهذا عدد من الأسباب يأتي في مقدمتها كسر الصورة النمطية للهوية الإسلامية والعربية، وتصدير الصورة الحقيقية للدين الإسلامي المستنير من خلال نموذج دولة الإمارات، باعتبارها دولة عربية مسلمة ومنفتحة ومتسامحة مع الجميع ولديها رصيد قوي من قبول الآخر.
كما سعت دولة الإمارات من خلال جهودها الإنسانية في تضميد جراح العالم من ويلات الحروب والفتن وحالة الاستقطاب، بالإضافة إلى أنها أكدت قدرتها في جذب الجنسيات والشعوب كافة على أرضها للعمل والعيش والتنمية لتفرض معنى التغيير نحو قابلية التعايش المشترك وطيّ صفحات الماضي بكل سقطاته الإنسانية.
عزيزي الإنسان قارئ المقال! أياً ما كانت عقيدتك أو طائفتك وأينما كانت قبلتك، لقد جاء الإسلام الحنيف ليقيم أركان المجتمع على الصفات النبيلة ومكارم الأخلاق، وفي مقدمتها الصفح والعفو عن الإساءة والتسامح وترك الغضب، وأنه إذا رد الإنسان الإساءة التي قد توجه له بإساءة فإن صراع الإنسان لن يتوقف إلا بانتهاء الحياة البشرية، لذا فقد علمنا الإسلام أن الإنسان بدوره مطالب دائما بسعة صدره تجاه الغير، وأن يستبدل بالإساءة والغضب العفو والرحمة والتراحم.. لذلك فقد حثنا المولى عز وجل على استغلال شهر رمضان المبارك في التسامح والعفو والصفح، ونذكر من الآيات القرآنية التي جاءت لتأكيد هذه المفاهيم قول الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".. صدق الله العظيم.
أيها القارئ المستنير في شتى بقاع الأرض، أؤكد لك أنه لا تزال هناك أصوات ترفُض السلام والتسامح وتتخذ من شهر رمضان الكريم، وهو مناسبة دينية خاصة لأكثر من 2 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم والذين يشكلون أكثر من ربع سكان كوكب الأرض، فرصة لاستفزاز مشاعر المسلمين بسبب ممارسات متكررة لا تتفق مع القانون الدولي أو الحق في العقيدة أو حرية ممارسة الشعائر الدينية أو الحق في الأمان الشخصي، تجسدت في قيام متطرفين بالسويد بإحراق نسخ من القرآن الكريم، ما أسفر عنه أعمال عنف واقتتال وإصابة المدنيين وإحراق سيارات الشرطة نتيجة لاستفزاز المسلمين في ثوابت عقيدتهم، ما يزيد حالة الاستقطاب والعنف والتحريض العالمي ضد الرموز الدينية والمقدسات ومعتنقي الأديان.
إن ما يحدث من استفزاز لمشاعر المسلمين خلال رمضان، لا سيما انتهاك حق الإنسان في حرية ممارسة شعائره الدينية، هو محاولة لإحباط الجهود العالمية، التي تدعمها الإمارات، لإرساء قيم السلام والتسامح والتعايش والمحبة، باعتبارها الممر الآمن لحماية الجنس البشري من الصراعات والحروب، التي باتت أقرب مع تزايد حدة الصراع، ولنا في الأزمة الروسية الأوكرانية خير مثال على ذلك، ما ينذر بإعادة رسم خريطة العالم من جديد.
لقد دأبت الإمارات على تعزيز قيم التسامح والإخاء عبر عشرات المبادرات، يأتي في مقدمتها إنشاء "المعهد الدولي للتسامح" عام 2018 ليصبح آلية وطنية وعالمية لإعداد البحوث والدراسات وتنفيذ البرامج الخاصة بالسلام للتمكين والتدريب بين أبناء الثقافات المختلفة، بالإضافة إلى إنشاء "وزارة التسامح" وإطلاق "القمة العالمية للتسامح" في العام نفسه، ثم إطلاق وثيقة "الأخوة الإنسانية" عام 2019 عبر منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والتي شكلت ميثاقاً عالمياً للالتفاف حول الإنسانية وكذلك إطلاق "نداء التسامح" ضمن احتفالات الدولة باليوم العالمي للتسامح.
كما قدمت الإمارات بصمة إنسانية عالمية خلال أزمة الجائحة العالمية "كوفيد-19"، والتي اجتاحت العالم، حيث استطاعت تقديم مساعدات إنسانية وطبية لأكثر من 120 دولة حول العالم لمساعدتها ودعمها في التصدي للوباء وتخطيه.
والسؤال هنا: لمن تُقدّم تلك الجهود والمساعدات والدعم الإنساني؟
إن الإمارات لا تقدم يد العون وتدشن المبادرات من أجل الدعاية الناعمة والترويج لنفسها، وإنما تقدم تلك الجهود على المستوى الحكومي والشعبي من منطلق إيمانها القوي بمسؤولياتها الدولية في دعم الغير وحماية حقوق الإنسان وإنقاذ البشرية، باعتبارها دولة قوية منفتحة لديها كامل الحق في تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين والعرب، على حد سواء، وتطبق الإسلام من خلال نموذج منفتح على الجميع، فقد استطاعت احتواء شتى أبناء الجنس البشري على أراضيها.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة عندما قامت موقف دولة الإمارات تجاه كل دول العالم واضح ولا ضبابية فيه على مستوى العلاقات الدولية أو الشعبية، إذ تقوم الإمارات دوماً بالتعاون والتنسيق الجاد مع جميع دول العالم ولديها طموح دؤوب في إحلال السلام العالمي باعتباره طوق نجاة للبشرية وسبيل العيش المشترك وتحقيق التنمية والتقارب، وإذا كانت الإمارات قد عزمت على عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، لكن لا تزال القضية الفلسطينية هي القضية المحورية الأهم للوطن العربي وللمسلمين، لأنها قضية عدل في المقام الأول، ولأنه من مصلحة العالم أن تظل القدس للأديان السماوية ورسالات الأنبياء ومن أرضها انتشرت إلى العالم، وأن يبقى الأقصى مساحة حرة ليمارس فيه المسلمون طقوسهم دون تنديس لحرمه الشريف.
من هنا وجب التوقف فوراً عن اقتحام باحات المقدسات الدينية والإقرار الفوري بالحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع حتى لا نخسر مكتسباتنا الإنسانية ويتحمل معها الجميع نصيبه من فاتورة التصعيد في كوكبنا المنهك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة