بعد ساعات قليلة، من عبور قواتنا المسلحة للمانع المائي لقناة السويس في حرب أكتوبر المجيدة، كتب الأديب الكبير توفيق الحكيم في صحيفة "الأهرام"
يقول: "عبرنا الهزيمة، بعبورنا إلى سيناء.. ومهما تكن نتيجة المعارك.. فإن الأهم هو الوثبة فهي المعنى.. إن مصر دائمًا هي مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلا فإن لها هبة، ولها زمجرة وقيام، سوف تذكر مصر في تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر".
كلمات بسيطة استبقت الحدث ونتائجه، لكنها عبرت عن الكثير والكثير، عبرت عن معاناة شعب ظل مساندًا وصامدًا ومتحملًا للآلام على مدى ست سنوات من القتال والترقب.
أتيحت لي - على مدى سنوات عملي كمحرر عسكري - فرصة لقاء عدد كبير من قادة الحرب المجيدة، لكني دومًا أتوقف أمام لقاءات مهمة، تحدثت فيها مع المرحوم اللواء أ.ح فؤاد نصار، مدير المخابرات الحربية الأسبق، حول أسباب النصر ودعائمه..
في العيد الأربعين لاستعادة سيناء، أتوقف أمام ما قاله عن واحدة من أمجد حركات المقاومة المصرية، وهي "منظمة سيناء العربية"، فعنها يقول اللواء نصار: "نظرية الأمن الإسرائيلية تعتمد على عنصري القوة المعروفة عنها، وهما الطيران والمخابرات، والتي كانت تشكل في نظرهم العنصر الرابع على مستوى العالم بعد المخابرات الأمريكية والروسية والإنجليزية، ونحمد الله أن انتصرت عليهم المخابرات المصرية في أكتوبر 73..
فقد كنا نعلم أننا نعمل تحت ملاحظة العدو مباشرة من الضفة الشرقية، علاوة على قدرة المخابرات الإسرائيلية في الحصول على معلومات بمعاونة بعض الدول الأخرى لها، ولذلك قررنا أنه لا يمكن إخفاء تحركات القوات وحشدها وإنما نخفى «نية» الهجوم واثقين أن النوايا إذا لم تظهر لا يعلمها إلا الله.. وهذا ما حققه عنصر المفاجأة..
ويضيف اللواء نصار: "كانت هناك مجموعة قتالية تحمل اسم "39 قتال" يقودها الشهيد المقاتل إبراهيم الرفاعي ومعه مجموعة من خيرة الضباط لديهم إيمان كامل بأداء المهمة أو الشهادة.. هؤلاء عبروا قناة السويس وخط بارليف وأحضروا معدات من هناك وجلبوا لنا معلومات عنه وقاموا بأكثر من 39 عملية قتال وسميت بعدها المجموعة بهذا الاسم.. وهناك مجموعة ثانية كان اسمها «منظمة سيناء» هذه المنظمة كانت عبارة عن مجموعة من أبناء سيناء، لأن هؤلاء يعرفون سيناء بالشبر.
وعملت معنا مجموعة أخرى من المتطوعين من المدنيين والعسكريين، وأقمنا بيوتًا للمتطوعين يتعلمون فيها الشفرة وقراءة الخرائط والمعلومات التي نريدها والرموز الموجودة.. كل هذا لمدة شهرين، حتى يتعلم الفرد كل شيء ويأخذ جهازا لاسلكيًّا يبلغنا من خلاله بكل المعلومات مهما كانت صغيرة. وبهذا غطينا سيناء كلها. وبعد الحرب سألوا ديان: كيف استطاعت مصر الحصول على كل هذه المعلومات بهذه التفاصيل والدقة، علمًا بأنه ليس لديها أجهزة متطورة أو معدات فنية تستطيع بها الحصول على هذه المعلومات، وليست هناك دولة تساعدها بأقمارها الصناعية.. فأجاب ديان: لقد غطت مصر سيناء برادارات بشرية، ذات عقول ترى وتستنتج وترسل أفضل مائة مرة من الرادارات الصماء، وبذلك استطاعت مصر أن تحصل على كل المعلومات داخل سيناء.
اعتراف ديان التاريخي، يعني أن مصر قهرت المستحيل في سبيل الوصول إلى الهدف. لكنه يشير إلى الدور الكبير والعظيم لقبائل سيناء ورموزها من الشرفاء، الذين قدموا العون لقواتهم المسلحة من أجل تحقيق النصر.
شرفاء سيناء مازالوا على العهد .. حتى اليوم ..
نقلا عن صحيفة الأهرام المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة