تنطلق الإمارات في دعمها للقضية الفلسطينية من ثوابت راسخة لا تحيد عنها.
حيث تنحاز لحقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه المشروعة في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما تأتي في مقدمة دول العالم الداعمة للفلسطينيين مادياً وإنمائياً وإنسانياً، وذلك من منطلق التزامها بدعم الأشقاء ونصرة قضاياهم العادلة. وحينما وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل في سبتمبر الماضي أعادت التأكيد على هذه الثوابت، خاصة فيما يتعلق بحل الدولتين باعتباره الركيزة نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، والطريق لبناء سلام مستدام، لأنها ترى أن السلام هو المدخل الحقيقي لإنهاء الصراعات والأزمات وتحقيق الأمن والاستقرار للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وحينما اندلعت شرارة الصراع بين الطرفين، قبل أيام، بعد اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ومحاولات تهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، سارعت الإمارات إلى إدانة هذه الأحداث وأكدت على ضرورة تحمل السلطات الإسرائيلية مسؤوليتها وفق قواعد القانون الدولي لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين، ودعت إلى إنهاء الاعتداءات والممارسات التي تؤدي إلى استمرار حالة التوتر والاحتقان في القدس الشرقية المحتلة، ووقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك، لأنها تدرك جيداً خطورة المساس بالمقدسات الدينية وتبعاتها على الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء، خاصة بالنسبة للمسجد الأقصى الذي يحظى بمكانة خاصة، رمزية وروحية لدى العالمين العربي والإسلامي، حيث شرّفه الله تعالى بالتقديس وجمع فيه الأنبياء والمرسلين، ولهذا فإن اقتحامه من جانب القوات الإسرائيلية لا يعبر فقط عن الاستهانة بمشاعر المسلمين، وإنما أيضاً، وربما الأخطر، تجاهل التداعيات الكارثية التي قد تترتب على ذلك في المدى المنظور، فخبرة السنوات الماضية من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كشفت بوضوح أن القضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية القدس والمسجد الأقصى، كانت إحدى الأوراق التي تم توظيفها بشكل سلبي من جانب قوى التطرف في إذكاء وتيرة هذا الصراع، وإسباغه بطابع ديني، الأمر الذي جعل المنطقة تشهد موجات من التعصب والتطرف والكراهية على حساب السلام والتعايش والأمن والاستقرار والتنمية.
حينما تدعو الإمارات إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، وتحث جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واتخاذ خطوات للالتزام بوقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي، فإنها تمثل صوت الحكمة والعقل والاتزان، لأنها تدرك من واقع خبرة السنوات المريرة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي أن الحوار والتفاهم المشترك هو الطريق الحقيقي للتوصل إلى بناء سلام شامل ومستدام يستجيب لتطلعات الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار، وفي المقابل فإن التصعيد واستخدام القوة والعنف لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدماء والخراب والدمار والفوضى، وهي الأجواء التي توظفها قوى التطرف في نشر أجندتها المعادية للسلام، لتغذي ثقافة الكراهية وتحرض على العنف الذي يطول الجميع.
في الوقت الذي تتحرك فيه الإمارات لإنهاء التصعيد الحالي ووقف انتهاك حرمة المسجد الأقصى وبناء موقف دولي ضاغط من أجل استئناف قطار السلام، والبدء في حوار حقيقي حول القضايا الخلافية، فإن أطرافاً أخرى تعمل على تصعيد الصراع، غير عابئة بمعاناة الشعب الفلسطيني، ولا بضحاياه من المدنيين الذين يسقطون على مدار الساعة، لأنها توظف القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني في تحقيق مصالحها، من خلال شعارات جوفاء بعيدة عن الواقع لصرف الأنظار عن حقيقة مواقفها وأجنداتها التي تحرض على العنف والكراهية.
لقد أضرت هذه الأطراف غير المسؤولة بالموقف الفلسطيني، الذي كان يحظى في بداية الأحداث بدعم دولي كبير، حينما كان هناك تفهم لدى العديد من قادة دول العالم لدوافع الموقف الفلسطيني الرافض لمحاولات إسرائيل تهجير عائلات من حي الشيخ جراح، وإدانة ممارساتها في المسجد الأقصى، لكن هذا الدعم بدأ يتلاشى بشكل تدريجي حينما بدأت حماس في إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، بل وبدأ هذا الدعم ينتقل إلى الجانب الإسرائيلي، لنجد العديد من قادة العالم الآن يصدرون بيانات تأييد يؤكدون خلالها "حق إسرائيل في الدفاع المشروع عن النفس في وجه صواريخ وهجمات حماس".
حينما تنتهي الحرب الحالية وتبدأ حسابات المكسب والخسارة، سيدرك الجميع وقتها أنها لم تؤدِّ إلا إلى المزيد من الخراب والدمار الذي سيدفع ثمنه الأبرياء من الشعب الفلسطيني، وحتى في حال نجاح الجهود الدولية في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وإبرام هدنة جديدة بين الطرفين دون حل القضايا الخلافية بينهما، سيظل هذا الصراع قابلاً للانفجار في أي وقت، لهذا فإن هناك ضرورة لتحرك دولي جاد لإحياء مفاوضات السلام بين الطرفين، من أجل التوصل إلى سلام حقيقي قابل للاستدامة، وهذا ما عبّر عنه بوضوح الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، قبل أيام، حينما أكد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن "أن السلام يقود إلى البناء والتنمية، والصراعات والحروب تقود إلى الدمار والفوضى، وأن اتفاقيات إبراهيم تحمل آمالاً لشعوب المنطقة من أجل العيش في سلام واستقرار بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة بالمجتمعات كافة"، وهذا هو جوهر الموقف الإماراتي من القضية الفلسطينية، الذي يسعى إلى بناء سلام حقيقي مستدام يضمن للطرفين ولدول المنطقة التعايش معاً في سلام واستقرار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة