النمو السكاني والطلب على المياه.. «معضلة مناخية» في مصر
الاستخدام الكثيف للطاقة تحدٍ مناخي في مصر
لم تعد مصر اليوم قادرة على الاعتماد على نهر النيل لتلبية جميع احتياجاتها من المياه العذبة خاصة الري.
وذلك بسبب التركيبة السكانية التي تسجل نمواً متسارعاً وتأثيراتها في الطلب على المياه.
بين عامي 1989 و2018 نما عدد سكان مصر بمعدل سريع قدره 2.1% سنويًا، وتضاعف تقريبًا خلال ثلاثة عقود ليصل إلى 109 ملايين شخص في عام 2021.
ومع زيادة عدد السكان تذهب أربعة أخماس الاستهلاك للمياه إلى أنشطة الزراعة.
في حين أن عملية استصلاح الأراضي الصحراوية (أو "الأراضي الجديدة") على مدى العقود العديدة الماضية أدت إلى تفاقم الطلب على المياه.
ومع توقع أن ينمو عدد سكانها إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050، سيتعين على مصر مواجهة طلبات أكبر على الغذاء والمياه العذبة وسط قدرات مقيدة على التكيف مع التغيرات المناخية، حيث تعمل التأثيرات المناخية على تقييد الموارد الطبيعية، وتبلغ الكثافة السكانية في القاهرة أكثر من 510 أضعاف المتوسط الوطني، حيث لا يزال حوالي 60% من سكان القاهرة الكبرى يعيشون في مستوطنات عشوائية وفقيرة على الرغم من الجهود الحكومية المستمرة لتغيير هذا الوضع، حسب دراسة حديثة نشرت قبل أيام لمؤسسة كارنيغي.
- شبح التغير المناخي يهدد نهر الأمازون.. جفاف لم يحدث منذ 120 عاما
- تعهدات قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 تبحث عن خارطة طريق في COP28
الاستخدام الكثيف للطاقة بمصر
في دراسات سابقة على دراسة كارنيغي أشارت إلى اعتماد الاقتصاد المصري على الاستخدام الكثيف للطاقة يعد أكثر بستة أضعاف من متوسط استخدام البلدان الثمانية والعشرون الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما أن مصر تأتي ضمن البلدان الخمس التي ينفذ بها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية عملياته التنموية ذات أعلى انبعاثات لغازات الدفيئة سنويًا وضمن البلدان الإحدى عشر الأسرع فى تحولها إلى أحد البلدان الرئيسية المسببة للانبعاثات على مستوى العالم، حسب دراسات للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار.
السبب توافر الوقود الأحفوري بها تاريخيا والوقود المدعم مما أدى لتطور الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، مثل صناعات الأسمدة والصلب والأسمنت والكيماويات والبتروكيماويات.
القطاع الصناعي
يعد القطاع الصناعي المستخدم النهائي الرئيسي للطاقة، حيث يمثل 35% من الطلب على الطاقة بالبلاد، يليه في ذلك قطاع النقل والمواصلات 28% والقطاع السكني 22%.
قدمت الحكومة المصرية المساھمات المحددة وطنيًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث تعهدت باتخاذ إجراءات من شأنها تعزيز مرونة التكيف مع تغير المناخ وتحقيق كفاءة استخدام الطاقة والموارد واستخدام مصادر الطاقة المتجددة لمواجهة التحديات المناخية الخطيرة التي تواجه البلاد، ولكنها لم تحدد هدفاً يمكن قياسه فيما يخص خفض الانبعاثات بحسب البنك الأوروبي.
معاهدات دولية
صدقت مصر على أكثر من 60 معاهدة دولية تتعلق بالمسائل البيئية والاجتماعيةـ وأكدت التزاماتها بالتوقيع في COP على اتفاق باريس في المؤتمر الحادي والعشرين للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ 21 اجتماع ديسمبر/كانون الأول 2015، إضافة إلى وضع استراتيجيتها الخاصة بالتنمية المستدامة، إطار رؤية مصر لعام 2030، الذي يتضمن تحسين سبل العيش وأھداف حماية البيئة، وعلى الرغم من ذلك لا يزال موضوع الأداء البيئي والاجتماعي للدولة مجالا يحتاج إلى التعزيز.
غياب الروابط بين الاستغلال المستدام لرأس المال البيئي والتنمية الاقتصادية ونقص القدرات والوعي المحليين، عوامل أساسية تؤثر على هذا الأداء.
آثار تغير المناخ على مصر
من المتوقع أن يكون لتغير المناخ آثار عكسية على إدارة المناطق الساحلية، مع ما نسبته 12% من الأراضي المنخفضة للدلتا، فارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى زيادة الملوحة المفرطة بالأراضي الزراعية، قد تسبب نزوحا أكثر من 5 ملايين شخص وزيادة البطالة.
تتباھى المناطق الساحلية في مصر بما في ذلك دلتا النيل والشعب المرجانية للبحر الأحمر بمستويات عالية من التنوع الحيوي، التي تُعد حساسة بصفة خاصة للتغير المناخي طويل الأمد. وبالتالي تحتاج المشروعات القائمة في البيئة المائية لأخذ المسوح الأساسية للتنوع الحيوي في اعتبارھا، إضافةً إلى تقييمات الآثار وخطط الإدارة؛ بهدف التخفيف من الآثار المحتملة والالتزام بالبحوث في مجال السياسات. بالإضافة إلى ذلك إجراءات الحفظ التي تُتخذ على مستوى المشروع، بما في ذلك بناء القدرات، وتعزيز خطط الإدارة الوطنية والإقليمية، من أجل الإبقاء على العادات البحرية.
استخدام الأراضي
وفقًا لتقرير الأمم المتحدة بشأن مكافحة التصحر والجفاف تخسر مصر ما يقرب من 30.000 فدان من الأراضي الزراعية سنويًا بسبب الزحف الحضري والنمو السريع للسكان.
يضع النمو السكاني السريع في مصر ضغطاً على شبكة النقل في البلاد، خاصة في منطقة القاھرة الكبرى، حيث فاق الطلب على الحراك والتنقل بشكل كبير قدرة نظام النقل العام الحالي.
ملأت الفجوة في المقام الأول سيارات الأجرة التي يمتلكها أصحابها ويقومون بتشغيلها واستخدام السيارات الخاصة، مما أدى إلى زيادة الازدحام وتلوث الهواء، ويعزى أكثر من 12000 حالة وفاة بمصر كل عام إلى حوادث المرور على الطرق.
37.6 % من سكان مصر يعيشون في مناطق مهددة بمستويات سطح البحر
بالعودة لدراسة كارنيغي، فقد أشارت إلى الخط الساحلي المنخفض في مصر على البحر الأبيض المتوسط كونه معرضا بالفعل لخطر شديد من الفيضانات، وتآكل السواحل، وهبوط الأرض.
في عام 2000 تم تعريف ما يقدر بنحو 2.4% من أراضي مصر (23676 كيلومترًا مربعًا) من جانب خبراء دوليين على أنها منطقة ساحلية منخفضة الارتفاع (LECZ)، تسمية تشير إلى المناطق الساحلية المعرضة للخطر والواقعة على ارتفاعات أقل من 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
في العام نفسه، احتلت مصر المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث عدد سكان منطقة LECZ، وهو عدد كبير يبلغ 25.5 مليون مصري، مما يعني أن 37.6 في المائة من السكان المصريين في ذلك الوقت كانوا يعيشون في مناطق مهددة بشكل مباشر بمستويات سطح البحر.
نظرًا لأن الكثافة السكانية في منطقة LECZ في مصر أكبر من المتوسط الوطني (1075 شخصًا لكل كيلومتر مربع في منطقة LECZ مقارنة بسبعين شخصًا لكل كيلومتر مربع على المستوى الوطني) مع العلم أن أربعة أخماس سكان مصر يقيمون على بعد 100 كيلومتر من البحر، فإن الازدحام في المدن الساحلية يزيد من صعوبة الوصول إلى الخدمات أو الإغاثة في حالات الطوارئ.
مع ارتفاع عدد سكان مصر على المستوى الوطني والساحلي، ستصبح المشكلة أكثر إلحاحًا، وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى أن ما بين 11.75% و15.56% من حزام دلتا النيل بأكمله قد يغمر بحلول عام 2100 بسبب هبوط الأرض وحده، حتى دون مراعاة ارتفاع مستوى سطح البحر أو التأثيرات الأخرى لتغير المناخ.
نتائج التقلبات المناخية
تعد مصر معرضة بدرجة كبيرة إلى آثار التقلبات المناخية وتغير المناخ، الأمر الذي ستترتب عليه آثار هامة على تطور القطاع الخاص. وتشهد البلاد بالفعل ندرة مزمنة فى المياه، ومن المتوقع أن يسوء ھذا الوضع نتيجة تغير المناخ مع انخفاض في ھطول الأمطار بنسبة 1.8% سنويًا وزيادة في متوسط درجات الحرارة بنسبة 3.3% على المدى الطويل. وجدير بالذكر أن قطاع الزراعة يستخدم 86% من المياه المستخرجة، يليه القطاع السكني 8% والقطاع الصناعي 6%.
إطار قانوني شامل
يؤدي غياب إطار قانوني شامل بشأن استخدام المياه وإدارتها، خصوصًا في القطاع الزراعي، إلى زيادة مدى قابلية مصر للتأثر بتغير المناخ بدرجة خطيرة، تحتاج البلاد إلى استثمارات كبيرة ترمي إلى تطوير نظم الري العامة وتحديثها بما يشمل مشاركة القطاع الخاص والتمويل الموجه في سبيل دعم طرح تكنولوجيات وممارسات محسنة، مثل تجديد التربة وتغيير الأصناف المستنبتة وأنماط الزراعة.
ويؤدي عدم وجود استراتيجيات كفاءة تفصيلية تنظم القطاع الزراعي ومياه الصرف الصحي والمياه المحلاة إلى الحد من استخدام مجموعة واسعة من الموارد لأغراض الري والاستهلاك الصناعي.
ولا شك أن قلة المياه والارتفاع الشديد في درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ يعرضان توليد الطاقة الكهربائية ونقلها والمباني السكنية والتجارية إلى خطر زيادة استهلاك الطاقة مع نتائجها في زيادة الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.
aXA6IDMuMTM3LjE2Mi4yMSA= جزيرة ام اند امز