بين أربكان، وأردوغان، إرث إقصاء وفكر إخواني يستمد أصالته من إلغاء الآخر، والدعوة إلى التطرف والعنف.
إن الأيام الأخيرة التي شهدت تركيا فيها الهزيمة الواضحة لأردوغان ممارسةً دكتاتورية وفكراً إقصائياً وحزباً إخوانياً مارقاً، وإعلانه شخصياً هذه الهزيمة أمام أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري لبلدية إسطنبول، الذي فاز على مرشح حزب أردوغان بفارق 27,889 صوتاً، تذكرنا بالأيام السوداء التي عاصرتها مصر الحبيبة في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى ذروتها، بعد عام قضتهُ الجماعة في السلطة، وصولاً إلى الحدث الحاسم المتمثل في خروج الجماهير في مصر في شهر يونيو/حزيران في انتفاضة شعبية واسعة طالَت معظم المدن المصرية لا سيما القاهرة، التي شهدت خروجاً غير مسبوقا لملايين الناس.
وكأنّ أردوغان وحزبه لا يقرآن التاريخ، ولا يتعظان من الانقلاب العسكري الشهير في العام 1997 ضدّ حكومة نجم الدين أربكان، مؤسِّس الحركة الإسلامية في تركيا، الذي زرع بذرة الإخوان في نسيج المجتمع التركي، وكان يفاخر دوماً بأنّ تجربته السياسية لا تختلف بشيء عن تجربة جماعة الإخوان نفسها.
الإخوان في تركيا، كما في ليبيا، وحتى في قطر نفسها، متمسكون بالإقصاء والإلغاء خياراً على مستوى علاقاتهم الداخلية كما الخارجية، إلى أن يتم إقصاؤهم بالطريقة نفسها، ومن أبناء الشعب الأشد حرصاً على أمنه وحمايته والحفاظ على مكتسباته. فها هي السلطات التركية تصدر قرارا باعتقال 21 شخصا بينهم 17 عسكريا لا يزالوا في الخدمة بتهمة الانتماء لجماعة رجل الدين، فتح الله غولن؛ كشماعة تغطي بها عجزها عن استيعاب حركة الشارع وحراك الجيش والأجهزة الأمنية، حيث إنّ المطلوبين جميعهم بقيادة قوات الدرك بالعاصمة التركية.
وكأنّ أردوغان وحزبه لا يقرآن التاريخ، ولا يتعظان من الانقلاب العسكري الشهير في العام 1997 ضدّ حكومة نجم الدين أربكان، مؤسِّس الحركة الإسلامية في تركيا، الذي زرع بذرة الإخوان في نسيج المجتمع التركي، وكان يفاخر دوماً بأنّ تجربته السياسية لا تختلف بشيء عن تجربة جماعة الإخوان نفسها، وكان يصف حزبه "حزب الرفاه الإسلامي" بأنه يمثّل النسخة التركية من جماعة الإخوان المسلمين. آنذاك، قام جنرالات الجيش التركي بانقلاب ناعم، لكنه حاسم في إبعاد الإخوان عن الحكم، وتأخير وصولهم إلى السلطة لفترة خمس سنوات بين العام 97 والعام 2002، إذ قدموا إلى أربكان يومها مجموعة طلبات لغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الحزبي الإخواني في البلاد سياسياً كان أم تعليمياً أم متعلقا بالعبادات، وأجبروه إثرها على الاستقالة.
بين أربكان وأردوغان إرث إقصاء وفكر إخواني يستمد أصالته من إلغاء الآخر، والدعوة إلى التطرف والعنف، وما خلق الأجهزة الأمنية الرديفة والمليشيات المدنية الحزبية واللجوء إلى الإرهاب المسلح إلا وسيلة الإخوان المفضلة في التعبير عن استماتتهم في الحفاظ على الحكم بأي ثمن كان، وبين أربكان وأردوغان هناك جهل بقراءة التاريخ ومسار الأحداث، فكيف للاعب كرة قدم فاشل أن يصبح قادراً على اللعب في ملعب السياسة الذي تتحكم به حتماً إرادة الشعب وقراره مهما أخرتهما أدوات القمع وعقلية النفي؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة