قطر هي المسؤولة عن كل الأزمات والصراعات المسلحة في ليبيا، وحالة العداء الذي ترسخ في نفوس الشّعوب ضد بعضها الآن
لا توجد أيّ خيارات نحو استعادة "الدّولة" وحلول السلام في ليبيا غير نزع أسلحة المليشيات المقاتلة للجيش الليّبي والتي تديرها وتدعمها تركيا وقطر، وعلى هاتين الدولتين أن تتركا الشعوب ودولها بسلام.
إذا لم تتحرك القوى الفاعلة دوليا، والقوى العظمى لدعم الخيار الأنسب الآن وهو محاولة بناء الدّولة بداية بحفظ أمنها، فستشتعل حروب كبرى ستطال نيرانها الدول المجاورة وتأثيراتها مصالح كل الدول في المنطقة وخارجها.
تعاني ليبيا منذ ٢٠١١ من صراعات دامية، وتحول الشعب الليبي إلى كتل متعادية.
والمشكلة أن روح الكراهية والعداء والعنف والوحشية في القتال بالنسبة للمقاتلين هي عشوائية، لم تعتمد يوما على منهجية أو أهداف واضحة بغرض تحقيق الخير للبلاد، بل هي كراهيّة مُمنهجة زرعها من أرادوا لليبيا مصيرها الذي تعيشه اليوم.
الاقتتال القائم في ليبيا لا يشبه بأي شكل من الأشكال أي مواجهات أو حروبا أهلية شهدتها المنطقة لا جغرافيا ولا تاريخيا.
والحقيقة أنه إذا ما عدنا إلى أصول الأزمة اللّيبية، لوجدنا أن الشعب اللّيبي لم يكن له أرضية من الخلافات الطائفية أو العرقية لتجعله يقتتل على امتداد سنوات وبشراسة مخيفة، فالسؤال المطروح هنا: من زرع هذه الألغام وسط شعب عاش محبا لبعضه موحدا منذ تكوين الدولة؟، وحتى عندما كانت ليبيا تقوم على نسيج قبلي، لم نقرأ أو نسمع عن تاريخ دموي يعكس الكراهيّة والعداء الذي نراه الآن.
قطر هي المسؤولة عن كل الأزمات والصراعات المسلحة في ليبيا، وحالة العداء الذي ترسخ في نفوس الشّعوب ضد بعضها الآن، ولولا التّدخل القطري والدّعم المالي للحركات الاسلامية، والتأجيج الإعلامي الذي قامت به وقتها عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، وحرّكته قناة الجزيرة التلفزيونية التي كانت الشعوب العربية تثق بها قبل أن تتعرى، لكان من الممكن التوصل لحلول بين الشعوب وقادتها الذين أبدوا استعدادهم لتلبية المطالب الشعبية وفتح قنوات حوار في مراحل مبكّرة بعيد انطلاق الاحتجاجات الشعبية، لكن الحركات الإسلامية المتطرّفة واعتمادا على دعم ورعاية قطرية، تمكنت من الركوب على أمواج الاحتجاجات الشعبية، وقطع حبال الصلح والإصلاح في كلّ الدول التي سقطت في براثن الشّر.
لقد سارعت الأطراف الداعمة للإرهاب وعلى رأسها قطر لاستغلال الغضب الشعبي الذي كان وقتها يحمل مطالب لا كراهية فيها ولا عداء، ليزرعوا ثقافة الكراهية بين الناس لأنها الرهان الذي يضمن لهم استمرار النزاعات الداخلية.
وهذا ما نراه اليوم في ليبيا حيث يدعم النظام القطري وحليفه التركي المليشيات المقاتلة غير عابئين بالأرواح التي تزهق وببلد دمّر على آخره، ومستقبل مجهول لبلد عاش الانقسام لسنوات بلا حكومة وضاع فيه مفهوم الدولة بتدبير وتخطيط مسبق.
على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته تجاه ما يحدث في ليبيا اليوم، وأن يكون أكثر اهتماما وحرصا ومتابعة لما يحدث على الأرض، لأن استقرار منطقة شمال أفريقيا الأمني والاقتصادي والسياسي مرهون باستقرار ليبيا.
ومن أجل تحقيق ذلك، لا بد أن تكون لجان التّحقيق الدّولية والمفاوضون المعيّنون من طرف الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو المنظمات الدّولية الأخرى على إلمام ووعي بجذور الأزمة والأطراف المتورطة فيها منذ البداية.
والخطأ الفادح الذي نلاحظه الآن في الطّرق المتّبعة أثناء التّحقيقات الدّولية حول الشّأن الليبي هو أن المراقبة للأوضاع والمحادثات تستند فقط إلى الواقع الموجود اليوم والذي هو نتاج لعمليات تحريض ودعم متواصل بأسلحة موّلتها وجلبتها قطر وتركيا، تهدف إلى تسليم الحكم الليبي إلى الإسلاميين المتطرفين، وإدارتها إلى جيش من الإرهابيين، أو أن تبقى البلاد على ما هي عليه ويتواصل تقاتل شعب ينقصه الوعي بمصالحه، بعد أن عاش عقودا من الانغلاق تحت دستور الكتاب الأخضر.
ليبيا تدمر يوميا وتنهب ثرواتها وخيراتها ويتم غسل عقول خيرة شبابها والعمل على سياسة ترسيخ الجهل والكراهية فيها، وإذا لم تتحرك القوى الفاعلة دوليا، والقوى العظمى لدعم الخيار الأنسب الآن وهو محاولة بناء الدّولة بداية بحفظ أمنها، فستشتعل حروب كبرى ستطال نيرانها الدول المجاورة وتأثيراتها مصالح كل الدول في المنطقة وخارجها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة