حزب أردوغان بعد هذه الصفعة من المتوقع أن يواجه تحديات كبيرة لم يتعرض لها داخل الحزب طوال السنوات التي مضت
تلقى رجب طيب أردوغان الرئيس التركي صفعة سياسية عنيفة تعني الكثير والكثير جداً ليس لمستقبل أردوغان السياسي فحسب، وإنما للتأسلم التركي برمته، الذي صبغ سياساته، منذ محاولاته امتطاء الإسلام كمبرر للتسلط والقمع والفساد المالي والهجوم على كل من اختلف معه، إضافة إلى لعبته التي يريد منها إيقاظ الشعور الإمبراطوري العثماني الغابر في الإنسان التركي، والتي تجلت في إيماءاته بسبب ودونما سبب للإمبراطورية التركية، التي قال مرة إنها تمتد من أواسط آسيا إلى سواكن في البحر الأحمر، هذا الوهم الكبير بالقوة والشعور غير المبرر بالتضخم والانتفاخ سقط بعد صفعة أول أبريل الجاري، وبدا للناس وربما له أشبه ما يكون (بكذبة أبريل)!!
أردوغان كما يقولون اعترف بالخلل ووعد بإصلاحه، إلا أن الجبهات الكثيرة التي فتحها على نفسه وعلى بلده متعددة الجوانب ومعقدة، وتحتاج إلى وقت، إضافة إلى أن استعادة الثقة التي فقدها بتصرفاته المغرورة الحمقاء مطلب هو الآخر يحتاج إلى وقت
يوم الإثنين الماضي هو يوم تاريخي ومفصلي، خسر فيه كوادر حزب العدالة والتنمية رئاسة البلديات في كل المدن التركية الكبرى، وفي مقدمتها أنقره العاصمة وإسطنبول، بينما كانت جل الأصوات التي جناها في الأرياف والأطراف، حيث الإنسان الريفي البسيط، الذي يفتقر إلى المستوى المتمدن والنخبوي الذي تجده لدى إنسان المدينة.
أهمية انتصار المعارضين لأردوغان يكمن في أن هذا النصر أعطاهم ثقة بأنفسهم، وأن مواجهة أردوغان، وحصار لعبه على الشعارات الديماغوجية لا يمكن أن يتحقق إلا بالاتحاد والتكتل الحزبي ضده، إضافة إلى أن هزيمة حزب أردوغان هي كما يقول كثير من المحللين بمثابة بداية النهاية لحزبه، وله شخصياً في نهاية المطاف.
حزب أردوغان بعد هذه الصفعة من المتوقع أن يواجه تحديات كبيرة لم يتعرض لها داخل الحزب طوال السنوات التي مضت، فكما يقول أحد المتخصصين فإن كثيراً من أعضاء الحزب يرون أن أردوغان تضخم وطغى وتجاوز حدود الموضوعية والعقلانية، وأقحم نفسه، ومن ثم تركيا في صراعات سياسية متعددة الجهات، الأمر الذي انعكس سلبياً وبشكل حاد على الوضع الاقتصادي الداخلي.
ويتفق جميع المحللين أن التضخم الاقتصادي الذي وصل إلى ما يزيد عن العشرين في المائة سنويا، وارتفاع البطالة إلى معدلات تلامس التسعة عشر في المائة بين الأتراك، أضف إلى ذلك خسارة الليرة التركية ما يوازي الثلث من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، كلها عوامل جوهرية تضافرت وجعلت الاقتصاد في وضع مزرٍ، وهو ربما كان السبب الأول الذي جعل مرشحي حزبه يخسرون بلديات المدن الرئيسية في تركيا، حيث صوت الإنسان العقلاني المتحضر والمتعلم، الذي لا تنطلي عليه الغوغائية ومخاطبة عواطف العوام.
وعلى أية حال، فأنا كنت متوقعاً سقوط أردوغان، لأن الشعبوية والرهان على الغوغائيين والعوام مثل فقاعة الصابون، لا تلبث إلا وأن تنفجر ثم تتلاشى، هذا بعد أن تضخمت ذاته واكتنفه الغرور، وصار يتصرف بطاووسية سلاطين بني عثمان، الذي يبدو أنه مهووس باقتفاء آثارهم، وتحديداً بعيد انتصاره على محاولة الانقلاب الفاشلة وقلبه النظام التركي، من كونه نظاماً برلمانياً إلى نظام رئاسي، فأصبح فعلاً (السلطان) الذي لا يُشق له غبار، ولا يُعصى له أمر، ولا تنكس له راية، كما كان سلاطين العثمانيين يفعلون، سواء في تعاملاته مع دول الإقليم أو دول العالم الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأيضاً دول أوروبا، فالنملة عندما يلفها الغرور ويكتنفها الزهو الكاذب تتوهم أن أجنحة ومخالب نبتت لها فأصبحت تتعامل مثل ما تتعامل النسور كما تقول أسطورة إغريقية، وهو واقع حال أردوغان الحالي حتى صفع أبريل غروره الزائف وانتفاخه المتوهم.
أردوغان كما يقولون اعترف بالخلل ووعد بإصلاحه، إلا أن الجبهات الكثيرة التي فتحها على نفسه وعلى بلده متعددة الجوانب ومعقدة، وتحتاج إلى وقت، إضافة إلى أن استعادة الثقة التي فقدها بتصرفاته المغرورة الحمقاء مطلب هو الآخر يحتاج إلى وقت، ولم يبق من سنين فترته الرئاسية غير أربع سنوات، وهي بالتأكيد فترة غير كافية لإصلاح هذا الخلل الكبير، أضف إلى ذلك أنه بدأ الحديث عن إرهاصات أخذت تعود لتلوح في الأفق عن نية بعض من يختلفون معه في التوجهات بالانشقاق عنه، والنأي بأنفسهم عن (السقوط) الذي بدا واضحاً أنه ينتظره، بعد هذه الانتخابات، كما لا يمكن أن نتحدث عن زعامة أردوغان، ونتجاوز الفساد المالي المستشري في مؤسسات الحزب الحاكم، وبالذات فساد ابنه (بلال) الذي أصبح ثراؤه غير المشروع على كل لسان عند الأتراك، كل هذه العوامل مجتمعة تجعل تركيا مقبلة على مرحلة جديدة سيكون قطعاً أول ضحاياها هذا الطاووس المزيف.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة