الاهتمام الإعلامي لداعش بأفريقيا الغربية يذكرنا بالتحركات الأولى على مائدة الشطرنج، فهي تفيد في معرفة نوايا الخصم
الكل يدرك الآن أن داعش قد خسر معركته في سوريا، لكنه غيرها نحو أفريقيا، ولمن لا يزال يراوده الشك في ذلك فهناك دليل يؤكد ذلك، وهو المقال الذي نشره التنظيم في مجلته الأسبوعية "النبأ" في العدد 175 بعنوان "مالي.. النيجر.. بوركينا فاسو ساحة جهاد واسعة ضد الصليبيين والمرتدين".
كخبراء في مجال الدعاية، بدأت الذراع الإعلامية للتنظيم في خفض نسبة الدعاية الصادرة من الشرق الأوسط، مقابل زيادة الإصدارات الإعلامية من أفريقيا، خاصة غرب القارة التي يمتلك التنظيم فيها فرعه الأكبر، والذي يتمثل في جماعة بوكو حرام، متمدداً نحو النيجر وبوركينا فاسو ومالي عن طريق "أنصار الخلافة".
هذا الاهتمام المفاجئ لداعش بهذه المنطقة يُشبه ما تقوم به بوكو حرام منذ عدة أشهر، كل ذلك يؤشر بوضوح إلى رغبة داعش في تثبيت وجوده في هذا الجزء من أفريقيا
وبالنظر إلى أن كل دعاية لها جمهورها المستهدف فإن الجمهور في هذه الحالة هم مؤيدو التنظيم ومجندوه المحتملون، إضافة إلى أعدائه بطبيعة الحال، ولم يشر داعش في مقاله هذا إلى تنظيم القاعدة بأي شكل من الأشكال، بخلاف ما فعل في مرات سابقة، لعلمه أن المنطقة تعد تابعة لنفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتحديداً بمالي، موريتانيا، الجزائر وتونس.
ويحاول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التمدد صوب الشمال، خاصة إلى الجزائر وليبيا، لكنه يظل عاجزاً عن ذلك بسبب الضغط الذي يمارسه البلدان، وهو ما يجعل الانتشار جنوباً الخيار الوحيد المتاح للتنظيم.
ومن مصلحة جماعة داعش الموجودة في الجنوب التوجه نحو الشمال، إلا أن ذلك يضعه في صدام مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقد حدثت هذه المواجهة بين الإرهابيين في الصومال واليمن، وهي لا تصُب إطلاقاً في مصلحة أيٍّ من التنظيمين، فبوكو حرام النيجيرية والتي تُعرف الآن بتنظيم الدولة الإسلامية غرب أفريقيا لجأت إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لتدريب مقاتليها، وقد حافظ كل من التنظيمين على علاقات جيدة إلى الآن، وهذا ما يجعل من غير المستبعد حدوث اندماج بين المجموعتين، أي عندما يضعف تنظيم داعش قريباً.
يجب الأخذ بعين الاعتبار أن معظم قادة داعش في أفريقيا الغربية سبق لهم أن انتموا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
الاهتمام الإعلامي لداعش بأفريقيا الغربية يذكرنا بالتحركات الأولى على مائدة الشطرنج، فهي تفيد في معرفة نوايا الخصم، يجب التذكير هنا أن تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى لم يصدر أي منشورات دعائية أو حتى يتبنى العمليات التي ينفذها منذ أن أعلن زعيمه أبوالوليد الصحراوي مبايعة أبوبكر البغدادي في مايو سنة 2015، والآن صرح التنظيم بذلك الآن في مجلة النبأ. هذا الاهتمام المفاجئ لداعش بهذه المنطقة يشبه ما تقوم به بوكو حرام منذ عدة أشهر، كل ذلك يؤشر بوضوح إلى رغبة داعش في تثبيت وجوده في هذا الجزء من أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة