أصبح الكثير من شعوب العالم من الدول العربية وغيرها من دول الإقليم يعانون من السياسات الاستفزازية والعدوانية لنظام الرئيس التركي.
منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016، والرئيس التركي رجيب طيب أردوغان يعاني من هستيريا عدم الثقة بشعبه، وبجيشه، وبمن حوله، وبالدول المحيطة به وبالناس أجمعين.
فعلى أساس الشبهات، اعتقل عشرات الآلاف من مواطنيه، وأقال مئات الآلاف من وظائفهم، في التعليم والقضاء والجيش والمؤسسات الحكومية المختلفة. واندفع بسياسات القمع إلى حد أجبر الآلاف من الأتراك إلى الهرب خارج بلادهم. وحارب الكتاب والأدباء والصحافيين، وسجن العشرات منهم. وانتهت خياراته العشوائية إلى عدة انشقاقات في حزبه، ودفع عددا من أقرب المسؤولين إليه إلى التمرد عليه ونقد سياساته.
وما من بلد في الدنيا يخوض تسعة نزاعات في آن واحد مثل تركيا، معظمها نزاعات مسلحة. فهو يخوض نزاعا مسلحا في سوريا، وآخر في ليبيا، وثالث في ناغورنو كراباخ، ورابع مع المعارضة الكردية المسلحة، وهو ما قاده إلى نزاع مع العراق، ورسم خارطة جديدة للمياه الإقليمية ليفتعل نزاعا مع اليونان، وقبرص، وليشكل من خلالهما نزاعا إضافيا مع الاتحاد الأوروبي. وبينما كانت بلاده بحاجة إلى القرش من المال، فإنه ذهب ليتعاقد على شراء صواريخ أس-400 من روسيا، دفع من أجلها 2.5 مليار دولار، ليثير نزاعا آخر مع الحلف الأطلسي ومع الولايات المتحدة.
كل هذا، ويجرؤ أردوغان على اتهام ألمانيا بظهور فاشية جديدة، لمجرد أن الشرطة اقتحمت مسجدا، بسبب شبهات تتعلق بجمع تبرعات والحصول على أموال غير مشروعة، ما يزال من غير المعلوم إلى أين ذهبت. وهو حادث واحد، في مسجد واحد، بين آلاف المساجد التي تحتضن المسلمين بأمن وسلام في تلك البلاد. مما يجعل الاتهام هستيريا مطلقة، على واقعة معزولة، بعيدة كل البعد عن أن تكون ظاهرة عامة.
هذه الهستيريا، هي نفسها التي قادت أردوغان إلى توجيه كلامٍ ذي طبيعة تلائم صاحبه، عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال فيه إنه بحاجة إلى "علاج عقلي".
وبينما لم تتقدم تركيا بإدانة جريمة ذبح مدرس التاريخ صموئيل باتي في إحدى ضواحي باريس من جانب متطرف شيشاني، فإنها لم تقدم تعزية أيضا، ولا حتى على سبيل المجاملات الإنسانية المألوفة.
قد يجد المرء نفسه في نزاع مع أحد. ولكن عندما يتعلق الأمر بعمل إجرامي بشع، ومثير للصدمة، فإن أقل ما يمكن فعله هو التضامن مع مَنْ أصابهم الروع.
ولكن شخصا مصابا بالهستيريا مثل أردوغان، لم يجد في نفسه حتى الشفقة على أسرة الضحية، دع عنك التضامن مع زملائه وأبناء جلدته.
من هو الذي يجب أن يخضع لعلاج عقلي إذن؟
كثرة النزاعات وكثرة المشاكل، أمر يتحاشاه الأشخاص الأصحاء، لأنه يحجب عنهم القدرة على الالتفات إلى ما هو مهم. ويسبب التشتت في الفكر وفي جهود المعالجة. إلا الهستيريون، فهم لا يكفون عن زيادة المشاكل، حتى لكأنهم يهربون من واحدة الى أخرى، ظنا منهم أنها يجدون حلا لبعض ما تركوه، بينما هو يتفاقم.
أنظر في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وسترى أن أدولف هتلر، وكان هستيريا على غرار أردوغان، كان يزيد مشاكله سوءا، كلما عجز عن حل واحدة منها. فعندما كانت قواته تواجه مشكلات خطيرة على الجبهات الغربية، فماذا فعل؟ ذهب ليفتح جبهة مع روسيا. بدأ الهجوم في 22 يونيو 1941 بمشاركة 4.5 مليون جندي على جبهة بطول 2900 كم.
كم هو طول الجبهات التي يخوض فيها أردوغان نزاعاته؟
لقد آثرت فرنسا أن تسحب سفيرها من أنقرة قائلة إن "التجاوز والفظاظة من جانب أردوغان أمر غير مقبول، وإن تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان نهجا للتعامل، وإنها لن تدخل في سجالات عقيمة ولا تقبل الشتائم".
لم تشأ فرنسا، لكي تبقى مستقيمة مع أخلاقياتها، أن ترد بالمثل. ربما لأنها تعرف، من الأساس، أن التخاطب مع شخص هستيري، سوف يعني المزيد من السجال العقيم، ويتيح للمريض أن يزيد من لغته المريضة.
المصابون بأحد أمراض الهستيريا ذات الطبيعة العدوانية، لا يُرد عليهم بالمثل. هذا أمر يعرفه كل طبيب، لأن ذلك يُزيد حالتهم سوءا، ويدفعهم الى أن يفقدوا كل ما بقي لهم من عقل، فيقولوا كل قول قبيح، ويتصرفوا كل ما قد يخطر أو لا يخطر على بال.
لقد كان سحب السفير، جوابا صامتا الى حد بعيد.
صمت فرنسا يمكن أن يزيد، حتى ليُصبح كابوسا إضافيا من كوابيس نزاعات أردوغان التسعة. وعاشرها مع نفسه. وهو مما يتطلب علاجا فعليا، لأنه الأسوأ، في بلد تحول بأمنه واستقراره واقتصاده وعلاقاته الخارجية الى ضحية مكشوفة من ضحايا رئيس مهووس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة