أردوغان فاز في الانتخابات لأول مرة عام 2014 بنسبة بلغت 53% فقط، على الرغم من أنه خاضها مقابل شخصية غير معروفة سياسيا وضعيفة
لم يلجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى خيار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في 24 يونيو المقبل طواعية وإنما مضطرا. كان قرار الانتخابات المبكرة أقل الخيارات المطروحة سوءا فيما يتعلق بمستقبل حكومته وشعبيتها، في مواجهة أزمة اقتصادية باتت بوادرها ظاهرة على السطح.
هذا الخيار كلف الرئيس أردوغان التضحية بعام ونصف من حكمه، الذي كان يفترض أن يستمر حتى نوفمبر 2019، موعد الانتخابات الأصلي، كما أن حلمه بأن يكون على رأس السلطة في تركيا في عيدها المئوي في أكتوبر 2023 بات يحتاج منه إلى خوض الانتخابات مرتين بدلا من مرة واحدة، على اعتبار أن الفترة الرئاسية للرئيس القادم ستنتهي في يونيو 2023 أي قبل عيد الجمهورية بأربعة أشهر.
هذه التضحيات الإجبارية التي قدمها أردوغان جاءت لعلمه بأن شعبيته في تراجع، وأنه كلما احتكم للانتخابات في وقت أبكر كلما حصد أكبر قدر ممكن مما تبقى منها، ومراجعة سريعة لشعبية أردوغان خلال السنوات القادمة، ستكشف لنا وضعه الحالي.
يظهر أن شعبية الرئيس أردوغان منفردا أو مع دعم حليفه القومي دولت باهشلي هي في جوار الخمسين في المئة، لذا فإن فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة من الجولة الأولى لا يبدو مضمونا، خصوصا مع وجود تطورات جديدة في هذه الانتخابات لا تصب في صالح أردوغان
أردوغان فاز في الانتخابات الرئاسية لأول مرة عام 2014 بنسبة بلغت 53% فقط، على الرغم من أنه خاض تلك الانتخابات مقابل شخصية غير معروفة سياسيا وضعيفة، هي أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي كان مرشحا توافقيا لحزبي الشعب الجمهوري الأتاتوركي والحركة القومية.
بعد ذلك طرح أردوغان فورا صيغة النظام الرئاسي، وبدأ يتجاوز صلاحياته في منصبه الجديد الذي كان حينها شرفيا بروتوكوليا، وهذا أدى إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في انتخابات يونيو 2015 إلى 40%، وحينها خرج رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ليقول "يبدو واضحا أن الشعب لا يريد نظاما رئاسيا في الحكم، وعلينا أن نقبل برغبة الشعب"، لكن أردوغان لم يستسلم، إذ عرقل تشكيل حكومة ائتلافية حينها، مستفيدا من تنافر أحزاب المعارضة، ودفع البلاد إلى انتخابات مبكرة في نوفمبر 2015، حيث عادت شعبية حزب العدالة والتنمية إلى 49%، بعد أن عاقب الناخبون المعارضة التي فشلت في استغلال الفرصة وتنحية خلافاتها جانبا لتشكيل حكومة ائتلافية، كما تأثر الناخبون حينها بموجة قاسية من التفجيرات والهجمات الانتحارية لداعش التي جعلت الأمن أولوية الناخب للعودة إلى حكم الحزب الواحد، وهي تفجيرات تقول المعارضة إن الحكومة كانت تعلم بها ولم تمنعها من أجل ترهيب الناخبين.
وقبل أن يطرح الرئيس أردوغان مشروعه للنظام الرئاسي للاستفتاء في أبريل الماضي عقد تحالفا مع حزب الحركة القومية، لعلمه بأن مشروعه هذا لا يلقى دعما كافيا من الناخبين، وبالفعل بالكاد حصل هذا المشروع على نسبة 51%، التي شكلت مجموع شعبية الزعيمين أردوغان وحليفه القومي باهشلي وحزبيهما، علما بأن المعارضة تصر على أن تزويرا وقع في أوراق التصويت، وأن النتيجة الحقيقية كانت 47% فقط لصالح مشروع الاستفتاء.
مما سبق يظهر أن شعبية الرئيس أردوغان منفردا أو مع دعم حليفه القومي دولت باهشلي هي في جوار الخمسين في المئة، لذا فإن فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة من الجولة الأولى لا يبدو مضمونا، خصوصا مع وجود تطورات جديدة في هذه الانتخابات لا تصب في صالح أردوغان، منها تردي الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق، واستطلاعات الرأي تؤكد أن الناخب يولي ملف الاقتصاد اهتماما كبيرا في خياره الانتخابي، كما أن منافسي أردوغان هذه المرة هم قياديون حزبيون يتمتعون بكاريزما قوية مثل السيدة ميرال أكشنار زعيم الحزب الجيد، ومنهم من لديهم قدرة قوية على الخطابة وإلهاب حماس الجماهير مثل محرم إنجه مرشح حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، الذي ينافس أردوغان في براعته الخطابية، إضافة إلى مشاركة مرشح إسلامي هو تمل كرمالله أوغلو زعيم حزب السعادة الإسلامي، الذي يطمح في حصد أصوات التيار الإسلامي الغاضب من سياسات أردوغان الأخيرة داخليا، خصوصا أولئك المحسوبين على جماعة فتح الله غولن الإسلامية التي يخوض أردوغان حربا ضدها حاليا، كما ينضم إلى المرشحين أيضا الكردي صلاح الدين دميرطاش، الذي خاض الانتخابات الرئاسية السابقة أمام أردوغان وحصد أصوات الأكراد حينها.
كما أن استطلاعات الرأي الأخيرة لم يشر أي منها إلى أن شعبية أردوغان بين الناخبين تجاوزت 43% حتى مع دعم القوميين له، وقد سربت صحف موالية له قبل شهرين أن أردوغان طلب التوقف عن أعداد استطلاعات رأي له ولحزبه لأنها باتت تصيبه بخيبة الأمل وتؤثر على مزاجه، لكن ذلك لا يمنعه بأن يخرج ليقول للإعلام اليوم أن استطلاعات الرأي تقول إن شعبيته في ازدياد، دون أن يعطي أرقاما أو يكشف عن الشركة التي أجرت ذلك الاستطلاع المزعوم.
يدرك أردوغان صعوبة موقفه الانتخابي، ويدرك أن ما يملكه من وسائل تفضيلية على بقية المرشحين -من سيطرته على الإعلام واحتكار قنوات الأخبار لصالحه، وتحكمه في مؤسسات الدولة وميزانياتها، وغير ذلك مما دفع الاتحاد الأوروبي للقول في تقاريره إن الانتخابات في تركيا لا تجري في ظروف عادلة- قد لا تكون كافية لإنقاذه هذه المرة، لذا فإن أطرافا من المعارضة تتوقع أن يتحرك أردوغان بسرعة من أجل تغيير قواعد اللعبة، ومن ذلك أن يضغط على اللجنة العليا للانتخابات من أجل رفض طلب ترشح القومية ميرال أكشنار أو الكردي صلاح الدين دميرطاش أو حتى كليهما بحجج إجرائية واهية، إذ أن غياب مرشح كردي للانتخابات الرئاسية سيدفع الأكراد إما لمقاطعة الانتخابات أو شق أصواتهم بين مرشحين أو أكثر، وهذا يصب في صالح أردوغان.
كما تستعد المعارضة التي تقول إنها تشك في أن الرئيس أردوغان مستعد لتسليم السلطة سلميا لو خسر الانتخابات، لاحتمالات التزوير، خصوصا بعد أن أقرت الحكومة وحليفها القومي قانون الانتخابات الجديد الذي يسمح باحتساب الأصوات غير الممهورة في صناديق الانتخابات، والذي لم تجد المعارضة له تفسيرا سوى استعداد الحكومة لإقحام آلاف الأوراق غير الممهورة في صناديق الانتخابات لتعديل النتائج، لذا تتعاون المعارضة حاليا في توزيع الأدوار من أجل مراقبة جميع صناديق الانتخابات خلال التصويت والفرز، من أجل الوصول إلى النتائج بشكل مستقل وعدم الاعتماد على أرقام اللجنة العليا للانتخابات بمفردها.
مازال هناك متسع من الوقت لكي يأخذ الرئيس أردوغان تدابيره الإضافية للانتخابات الرئاسية، والتي لن يكون منها وعد جديدة في حملته الانتخابية، فما طرحه قبل أيام في وعوده الانتخابية لم يحمل جديدا غير الكشف عن إفلاسه سياسيا، فبدلا من تقديم وعود تحمل الأمل للناخبين اعتمد على تخويفهم من ضياع تركيا أمنيا واقتصاديا وسياسيا إن هو غادر موقعه الرئاسي، وليس أوضح من هذا دليل على حرج موقف الرئيس أردوغان، الذي يخوض أصعب انتخابات في حياته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة