أردوغان يواصل مساعيه التدميرية في المنطقة بسياسة "الهروب إلى الأمام"لصرف انتباه الأتراك أنفسهم، والذين تغرق بلادهم في أزمة غير مسبوقة.
بعد إخفاقاته الجيوسياسية المتعددة والمتكررة، شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استخدام تقنية "الهروب إلى الأمام". وبعد أن فشل في خططه مع قطر لإدخال جماعة الإخوان المسلمين إلى حكومات الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وتشاد ومالي، وبدلاً من إعادة النظر وتغيير موقفه، يواصل مساعيه التدميرية.
لقد خلق أردوغان صراعاً في شرق البحر الأبيض المتوسط، بهدف تغيير الترسيم الحدودي القائم، بما في ذلك مع اليونان وليبيا ومصر وقبرص وإسرائيل.
لقد فعل ذلك على الأرجح لصرف انتباه الأتراك أنفسهم، والذين تغرق بلادهم في أزمة غير مسبوقة، ومن ناحية أخرى، لمواجهة الاتحاد الأوروبي في تهورٍ غير مفهوم.
في الواقع، هدف أردوغان في هذه المرحلة من هروبه إلى الأمام -نظراً لقلة الموارد- هو أنه يحاول الظهور كضحية للغرب، محاولاً خلق قضية غير موجودة باستخدام الإسلام لإحداث شرخ مع الغرب.
وفي الأسبوع الماضي، أراد أردوغان استخدام فرنسا ذريعة لإظهار نفسه قائدا مدافعا عن المسلمين. وقبل ذلك، كانت فرنسا قد أوقفته عند حدّه في ليبيا وشرق البحر المتوسط لتدخلاته السافرة هناك، ولذلك أصبح الرئيس التركي يسعى للانتقام بكل الوسائل. لقد أراد إطلاق حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، بينما يدرك أردوغان في قرارة نفسه أن ذلك جاء للتغطية على حملة أخرى بدأت في العديد من البلدان الإسلامية لمقاطعة المنتجات التركية.
وفي الشهر الماضي، تحركت المملكة المتحدة وفرنسا بقوة ضد نفوذ الإخوان المسلمين في أوروبا، لتتبعهما دول أوروبية أخرى. لقد أشارت إلى منظمات الإخوان المختلفة من خلال أجندتها ونواياها السيئة في أوروبا والتي أدت في نهاية المطاف إلى ارتكاب أعمال إرهابية.
وفي خضم ذلك، قرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المضي قدماً أبعد من ذلك من خلال طرد مجموعة "الشيخ ياسين" المرتبطة بحماس والمنظمة غير الحكومية "مدينة البركة" وتجمع "مناهضة الإسلاموفوبيا" في فرنسا من بلاده.
ومن المعروف أن أردوغان يدعم حماس مالياً، والأكثر من ذلك أنه يسمح لها باستخدام دولته لإقامة قاعدة سرية لتنفيذ عمليات الحرب السيبرانية والاستخبارات المضادة.
وبخصوص منظمة "مدينة البركة" غير الحكومية ومباشرةً بعد حلّها في فرنسا، طلب زعيمها، إدريس يمو، وبقية أعضاء المنظمة اللجوء إلى تركيا. وانتقل أيضاً زعماء مجموعة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا للعيش في تركيا، حيث سيديرون منظمتهم من هناك بلا شك ضد مصالح فرنسا.
أثناء التحقيق في هذا الموضوع، يتضح أن ماكرون كان مستاءً للغاية من تدخلات أردوغان في فرنسا، وهو ما دفعه لاتخاذ إجراءات يبدو أنها أزعجت الرئيس التركي وفضحته وهو الآن يحاول تسويقها على أنها معاداة للإسلام.
وإن كان أردوغان قد أظهر مهارة في العديد من المناسبات، إلا أنه في هذه المرة فشل في مسعاه لاستمالة المسلمين الأوروبيين وضمهم إلى صفه باستخدام حجة الرسوم الكاريكاتيرية غير الملائمة، متظاهراً بأنه يقود احتجاجاً إسلامياً ضد أوروبا، بينما ما يفعله في الواقع هو تشجيع جميع المنتسبين للإخوان المسلمين في أوروبا للنزول إلى الشوارع، رغم يقين أردوغان وقطر أن مخططاتهما للتأثير على الاتحاد الأوروبي تتداعى ولم تأتِ أُكلها، لذلك يريدون استخدام آخر الطلقات غير الفعالة التي بحوزتهم، الإسلاموفوبيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة