أفواه أردوغان السورية ما زالوا يكذبون بشأنه، ما زالوا يحاولون تضليل الرأي العام عبر رفض الاعتراف بتركيا محتلا للبلاد.
لا تعرف كم يحتاج ما يسميه منتسبوه "الائتلاف السوري المعارض" من الوقت ليدرك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس صديقا، ولا تعرف أيضا ما هو الإثبات الذي يبحث عنه هذا "الكيان" ليتيقن أن السلطان يبحث فقط عن مصالحه في سوريا. لم يكن يوما معنيا بما يحدث على حدود بلاده الجنوبية، إلا بقدر ما يوفر ذلك له من مكاسب تخدم حزبه وأجندته السياسية.
ما تصح تسميته بالائتلاف التركي بدلا من السوري يرفض الاعتراف بهذه الحقائق. هو محق بذلك لأنه يرتبط مع أردوغان وحزبه "حزب العدالة والتنمية" بمصالح تتجاوز سوريته؛ فالكلمة المسموعة في هذا الائتلاف المزعوم إما لجماعة الإخوان التي باتت ترى في السلطان مرشدها الأعلى، وإما لمرتزقة السياسة والحرب الذين يدينون بالولاء لأردوغان قبل أي إنسان أو قضية أو وطن.
أفواه أردوغان السورية ما زالوا يكذبون بشأنه. ما زالوا يحاولون تضليل الرأي العام عبر رفض الاعتراف بتركيا محتلا للبلاد. والادعاء بأنها مجرد دولة تراعي مصالحها في التعامل مع الأزمة السورية. هم في هذا لا يدافعون عن أنقرة بقدر ما يدافعون عن أردوغانيتهم، ويبررون انصياعهم لأوامر السلطان وأجهزته الأمنية، إما تماهيا مع مخططاته، وإما إكراها ورغما عن أنوفهم.
لا يكترث أردوغان حتى لمصير ملايين اللاجئين السوريين في بلاده، أو مئات آلاف العالقين على حدود تركيا مع سوريا أو حدودها مع الاتحاد الأوروبي. لطالما كان هؤلاء بالنسبة للسلطان مجرد ورقة ابتزاز مادي وسياسي للعالم بأسره.
ما يقوم به الرئيس التركي اليوم في إجبار الجماعات المسلحة في إدلب السورية على إرسال مقاتليها إلى ليبيا، ما هو إلا فصل جديد من فصول الهيمنة والابتزاز الأردوغاني لهذه الجماعات والواجهات السياسية التي تمثلها، وعلى رأسها ما يُطلق عليه "الائتلاف السوري". هو سلوك مارسه السلطان مرارا وتكرارا على مدار تسع سنوات ماضية. ولكن أفواهه السورية تبحث دائما له عن الذرائع.
هناك جماعات مسلحة متطرفة في الشمال السوري قبلت طوعا، من أجل المال أو لأسباب أخرى، أن تكون مرتزقة للرئيس التركي في ليبيا. وجماعات أخرى كانت تظن أن خدمة أردوغان في سوريا تكفي. ظنت أنه سيكون متفهما لحساسية ذهابها للقتال في ليبيا. ولكن اتضح أن اعتقادهم كان خاطئا ورهانهم خاسرا؛ فالسلطان لا يكترث لهم إلا بقدر ما يلبون رغباته كمحتل، وليس كدولة تراعي مصالحها في الأزمة كما يدّعي أفواه أردوغان ويكذبون بشأن نبل مواقفه.
لا يكترث أردوغان حتى لمصير ملايين اللاجئين السوريين في بلاده، أو مئات آلاف العالقين على حدود تركيا مع سوريا أو حدودها مع الاتحاد الأوروبي. لطالما كان هؤلاء بالنسبة للسلطان مجرد ورقة ابتزاز مادي وسياسي للعالم بأسره. دون حتى أن يلحظ أن المنافع الاقتصادية التي قدمها اللاجئون السوريون لبلاده في مجالات عدة، تفوق ما قدمه لهم أو تعادله على الأقل.
لم يتمتع الاحتلال التركي بالوفاء لمن كان يظنهم أنصاره في سوريا. خذل أردوغان مؤيديه هناك مرات عدة منذ أن وضع يده بيد الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، وافتتح معهم مفاوضات أستانا عام 2017. باع أردوغان في هذه المفاوضات جميع أوراقه بالأزمة السورية. والمقابل لم يكن في جزء منه حتى، يخدم حل هذه الأزمة بل يزيد من تعقيدها ويحفظ ديمومتها.
لم ينتهِ ضرر السلطان على السوريين هنا؛ فقد رسخ في المناطق التي احتلها التطرف والتشدد والغلو عبر دعم جبهة النصرة وغيرها من الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب أمميا. ترك السوريين الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل لبلادهم تحت رحمة أشخاص مثل الجولاني والصوري والجنيدي والشيخ وغيرهم. ممن يتوقون إلى تأسيس دول على غرار تنظيم داعش.
لا نبالغ بالقول إن الرئيس التركي هو أكثر المنتفعين من الأزمة السورية حتى الآن. أفواه أردوغان السورية لا تجد ضيرا في ذلك أبدا، وهم ينتظرون أن يرسم السلطان الحدود الجنوبية الجديدة لبلاده لعلها تشملهم. ذلك سيكون نصرهم اليتيم في نهاية المطاف. وهو نصر يبقيهم نصف سوريين ونصف أتراك إلى الأبد. ويسجل خطيئة لا تغتفر لهم بحق اللاجئين الذين صدقوهم، ويتحملون من أجلهم الكثير في انتظار ساعة العودة إلى ديارهم ومناطقهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة