الرهان على العلاقات المتوازنة بين الدول العربية وروسيا والمصالح المشتركة بينهما من شأنه أن يذلّل الكثير من العقبات أمام طموحات السوريين
بناء سوريا جديدة هو التحدي الاستراتيجي الأهم الذي يواجه القيادة السورية، فالتصدي لهذا المشروع ونجاحه سيحدد ويثبّت مقومات وعوامل قوتها وقدرتها على العودة إلى الساحتين الدولية والإقليمية، بالمقابل تعلم أن دون تحقيق هذا البرنامج الاستراتيجي الكثير من المعوقات والعراقيل الداخلية والخارجية.
من الطبيعي الاعتراف بأن القيادة السورية في ظل الوضع القائم والإمكانات المحدودة والتحديات الخارجية التي تواجهها لا تستطيع الإقلاع بمشاريعها الكبرى بمفردها ودون غطاء ودعم سياسي واقتصادي عربي ودولي.
تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتعدد فيها المسارات وتتنوع فيها الخيارات، أبرزها يتمحور عند نقطة الوضع الداخلي في البلاد بجميع مرتكزاته ومقوماته السياسية والاقتصادية كونه حاملاً أساسياً لجميع المشاريع والتوجهات على اختلاف مضامينها وساحاتها، وهو من دون شك مرتبط بشكل وثيق بمتطلبات المرحلة المنشودة التي تسعى الدولة السورية لتثبيت ركائزها وبناها بعد أن تمكنت من تجاوز المخاطر التي هددتها على مدار سنين الحرب منذ أكثر من تسع سنوات والتي خلفت أعباءً ثقيلة على كاهل البلاد والعباد، ومن الطبيعي أن تكون تلك السنوات الصعبة قد أتاحت، في الوقت ذاته، فرصةً من أجل التماس أكثر الخيارات نفعاً على طريق إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وأقرب النماذج الملائمة لها.
الوضع الداخلي السوري بجميع بناه وركائزه وقطاعاته تراجع كثيراً بعد ما ينوف على التسع سنوات من الأزمة، الملف الاقتصادي يمثل التحدي الأكثر تعقيداً وصعوبة في سوريا المستقبل؛ فهو مرتبط ارتباطاً عضوياً بالملف السياسي ومتطلباته الدولية وفقا للقرار 2254، التضخم الهائل ضرب الاقتصاد السوري، القوة الشرائية للعملة المحلية انحدرت لمستويات قياسية، خروج جميع القطاعات الإنتاجية للبلاد؛ الزراعية والصناعية والسياحية والنفطية، عن سيطرة وإدارة الدولة السورية وعن دورة الاقتصاد المحلي أدى إلى تآكل البنى التحتية لجميع القطاعات الرسمية والخدمية والتنفيذية للدولة.
ثُلثا البلاد تقريبا مدمر بآلة الحرب، وإعادة الإعمار أبعد ما تكون عن متناول اليد حتى الآن بسبب الجمود التام في شرايين العملية السياسية، فلا اللجنة الدستورية أفلحت في تحقيق خطوة إلى الأمام، ولا مسارات التفاوض من آستانا إلى سوتشي إلى الكثير من المنصات الموازية أمكنها بلورة قواسم مشتركة ولو في حدها الأدنى على طريق رسم ملامح مسار تفاوضي يحوز أسس الاستمرار وإن بشكل متقطع لإطلاق عملية سياسية.
على المسار العسكري تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على معظم أراضي البلاد وقلب موازين القوى لمصلحة الدولة السورية، ومع ذلك وبعد مضي أكثر من تسعة أعوام من الحرب لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة في سعيها نحو إعادة الإقلاع مجددا لجميع مقوماتها الذاتية والمحلية والتي من شأنها تشكيل أرضية متينة للتعافي والعودة إلى دائرة الفعل والتأثير.
من الطبيعي الاعتراف بأن القيادة السورية في ظل الوضع القائم والإمكانات المحدودة والتحديات الخارجية التي تواجهها لا تستطيع الإقلاع بمشاريعها الكبرى بمفردها ودون غطاء ودعم سياسي واقتصادي عربي ودولي، فإلى جانب الدول العربية ودورها المنشود، يمكن النظر إلى روسيا كونها أقرب حلفاء سوريا الدوليين منذ عقود من الزمن، والتي اقتنصت فرصة الساحة السورية لتفعيل حضورها على مسرح الأحداث الإقليمي والدولي، وحققت الكثير من غاياتها الاستراتيجية.
وإذا كان السؤال حول طبيعة وأهمية الدور والدعم العربي المنشود من أجل سوريا "الغد" مطروحاً بإلحاح، فإنّ سؤالاً من مثل: ماذا يمكن لروسيا أن تقدم لسوريا داخلياً وخارجياً كي تتمكن من تحقيق أهدافها في البناء الداخلي وفي عملية استعادة دورها على المسارح الإقليمية والدولية؟ لا يقل إلحاحاً عن سابقه.
سوريا "الغد" أحوج ما تكون لحاضنتها العربية كي تتصدى للاستحقاقات الداخلية والخارجية التي تواجهها، لكن واقع الحال الناشئ في البلاد بسبب الحرب وتبعاتها وإفرازاتها يتطلب وجود دعم دولي يتناغم ويتساوق مع الجهد العربي لتمكين الدولة السورية من ترجمة خططها وتوجهاتها في عملية البناء الشاملة.
فموسكو يمكن أن تسهم بشكل فعال في توظيف ثقلها الدبلوماسي والسياسي على الصعيد الدولي لتثبيت الاستقرار الداخلي لسوريا دولة ومجتمعا، وتدعم الهياكل الراسخة للدولة السورية، خاصة مع تنوع مصالحها المشتركة مع الدولة السورية، وذلك من خلال العمل باستراتيجيات متعددة أهمها أن تأخذ بعين الاعتبار حقوق ومصالح الدول العربية في سوريا ولأجل سوريا.
الرهان على العلاقات المتوازنة بين الدول العربية وروسيا والمصالح المشتركة بينهما من شأنه أن يذلّل الكثير من العقبات أمام طموحات السوريين لمستقبل بلدهم بحيث تكون هذه الشراكة ركيزة مهمة لعمل مشترك يمكّن سوريا من طي صفحة الحرب وتجاوز آثارها، ويعيد ضخ الدماء في شرايينها، ويجعلها قادرة على صيانة سيادتها واستقلالها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة