خسائر القوات التركية بليبيا.. أردوغان يفشل في التعتيم
نظام الرئيس أردوغان يواجه انتقادات شديدة، بسبب تكتمه الشديد على خسائره في ليبيا وملاحقته وسائل الإعلام التي تكشف حجمها هناك
يواجه نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات شديدة من المعارضة على خلفية تعتيمه وتكتمه الشديد على خسائر الجيش التركي في ليبيا، وملاحقته الصحفيين ووسائل الإعلام التي تكشف حجم خسائره هناك.
الانتقادات بدأت منذ إعلان أردوغان عزمه إرسال قوات إلى ليبيا، قبل أشهر، إذ اتفقت أحزاب المعارضة، باستثناء حزب الحركة القومية حليف الرئيس التركي، على أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، لا سيما أنها تزج بالجيش التركي في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.
لكن رغم هذه الانتقادات، نجح الحزب الحاكم، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، في تمرير مذكرة تفوض أردوغان بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وذلك بفضل الأغلبية التي يتمتع بها بتحالفه مع الحركة القومية.
رفض الخطوة لم يأتِ من الأحزاب السياسية فقط، بل أظهرت استطلاعات للرأي جرت في الماضي أن 50% كانوا ضد إرسال قوات إلى ليبيا، وفيما بعد ارتفعت النسبة لـ58%.
ويعبّر مواطنون أتراك عن امتعاضهم من التعتيم الذي يتمّ فيها دفن الجنود المقتولين في ليبيا، ويصرّحون بخشيتهم من أن تتحوّل ليبيا إلى مقبرة للجنود الأتراك، من أجل تحقيق أردوغان لأطماعه التوسعية.
وبعد تمرير المذكرة، ورغم المعارضة الداخلية والدولية، أعلن أردوغان في 16 يناير/كانون الثاني الماضي أن بلاده بدأت في إرسال قوات إلى ليبيا؛ لدعم حكومة فايز السراج بطرابلس.
قتلى الجيش التركي
التذمر داخل تركيا ضد سياسات النظام في ليبيا، بدأ يأخذ وتيرة تصاعدية عقب سقوط قتلى في صفوف الجيش التركي بليبيا.
واعترف أردوغان، في 22 فبراير/شباط الماضي عبر تصريحات هي الأولى من نوعها، بسقوط قتلى من الجيش التركي خلال العمليات العسكرية التي تنفذها بلاده لدعم مليشيات السراج بطرابلس في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
اعتراف أردوغان بهذا الأمر جاء بطريقة فيها سخرية، إذ قال حرفيا: "لدينا بضعة قتلى في ليبيا"، ما أثار حفيظة المعارضة لاستخدامه كلمات لا تليق بالمقام.
وفي اليوم ذاته، أقر أردوغان بإرسال مرتزقة وقوات إلى ليبيا، وهو ما اعتبرته قوات الجيش الوطني الليبي تأكيدا على دور أنقرة في دعم الإرهاب وإطالة عمر الأزمة في ليبيا.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ"الجيش الوطني الليبي" خالد المحجوب، إن "16 قتيلا من الجيش التركي سقطوا على أيدي الجيش الليبي حتى الآن، ونعد الرئيس التركي بالمزيد".
الإعلان الأخير، وما شابهه تناولته وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، باستثناء الإعلام التركي خشية بطش أردوغان وسطوته على الآلة الإعلامية، وملاحقته الصحف والمواقع الإخبارية بالغلق والصحفيين بالاعتقال والسجن.
حالة الغموض والتعتيم التي يتعامل بها نظام أردوغان مع أعداد وأسماء قتلى الجيش التركي في ليبيا، وصل إلى درجة تشييع جثامين القتلى سرا، ومن دون أي مراسم عسكرية، كما درجت العادة.
التعتيم التركي وصل لدرجة تجريم من يتحدّث عن الأمر أو ينقل خبرا عنه، وهو الذي دفع العديد من المراقبين إلى طرح أسئلة منطقة لمعرفة الدوافع وراء ذلك، وهل حقا التفاصيل تعد من أسرار الدولة، ولماذا يُحرم ذوو القتلى من تقدير قتلاهم وإقامة جنازات تحترم موتهم؟
كشف المستور
لكن رغم التعتيم وحالة الترهيب لكل من يتفوه بكلمة عما يحدث للجيش في ليبيا، كشف رئيس تحرير صحيفة "يني جاغ" المعارضة باتوهان جولاق، في 24 فبراير/شباط الماضي، عن مقتل عقيد في الجيش التركي في ليبيا جرّاء هجوم استهدف ميناء طرابلس آنذاك.
ووفق ما نشره جولاق آنذاك على حسابه الشخصي بموقع "تويتر"، فإن العقيد بالجيش التركي أوقان آلطين آي قتل في ميناء طرابلس، وتم دفنه في مسقط رأسه في ظل تعتيم كبير.
وكشف موقع "أوضه تي في" الإخباري، الأربعاء الماضي، أن أحد عناصر جهاز المخابرات التركي يدعى سنان.ج (27 سنة) قُتل الشهر الماضي في ليبيا.
وأوضح أن السلطات التركية لم تجر له جنازة ودفنته في ظل إجراءات أمنية مكثفة.
وأشار الموقع الإخباري إلى أن الذي لفت الانتباه في الجنازة التي حضرها رئيس مركز آقهيصار ورؤساء مراكز الأحزاب السياسية وبعض المواطنين هو وجود إكليل أسود مكتوب عليه "رئيس منظمة أمنية".
ولفت إلى أن عائلة سنان رفضت الإدلاء بأي تصريح حول وفاته، وعلى الرغم من مرور أيام على مقتله؛ فإن اسمه لم يكتب حتى على قبره.
والثلاثاء الماضي، كشف وزير تركي سابق ومعارض حالي عن هوية 3 ضحايا جدد تابعين لجهاز الاستخبارات، قتلوا في مواجهات مسلحة على يد الجيش الليبي، لم تفصح عنهم حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
جاء ذلك على لسان وزير العمل والتضامن الاجتماعي التركي السابق عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض الحالي ياشار أوقويان، خلال مشاركته بأحد البرامج على محطة "خلق تي في" التلفزيونية المحلية.
وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "تقويم" التركية، فقد ظهر أوقويان على أحد البرامج بالمحطة المذكور، وقام بنشر صور لثلاثة أشخاص، قال إنهم من عناصر جهاز الاستخبارات التركي قتلوا في مواجهات مسلحة بليبيا.
وطمست القناة ملامح الصور، خوفا من المساءلة القانونية، لا سيما بعد حجب نظام أردوغان مؤخرا موقع "أوضه تي في" الإخباري، واعتقال عدد من صحفييه لقيامهم بنشر الخبر سالف الذكر.
وخلال عرضه الصور علّق أوقويان، قائلا: "جثامين هؤلاء الضحايا جاءت من ليبيا لتركيا سرا، ولم تفصح عنهم الحكومة، فلماذا يخفي النظام هذه المعلومات".
وأوضح أن الحكومة تخفي الخسائر في ليبيا عمدا، وتنتهج سياسة التعتيم فيما يخص عدد الجنود والمستشارين الأتراك في هذا البلد.
ولم يذكر المعارض المذكور بيانات هؤلاء الأشخاص، واكتفى فقط بنشر صورهم.
وأوضحت الصحيفة أن مقطع الفيديو الذي ظهر فيه الوزير الأسبق، انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتنخرط تركيا في دعم حكومة فايز السراج بالعاصمة الليبية طرابلس والتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التابعة له بالمال والسلاح، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد السلاح إلى ليبيا منذ 2011.
ومنذ بدء عملية "طوفان الكرامة" التي أطلقها الجيش الليبي في أبريل/نيسان الماضي لتحرير طرابلس من التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة أسقطت القوات المسلحة أكثر من 30 طائرة تركية مسيرة تابعة للمليشيات.
رفض التعتيم
وعلى خلفية تعامل النظام التركي العنيف مع كل من تسول له نفسه نشر أي أخبار عن خسائره بليبيا وسوريا، اتهمت المعارضة التركية، الإثنين الماضي، الرئيس أردوغان بتعمد التعتيم على القتلى عبر اعتقال عشرات الصحفيين.
وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي فائق أوزاتراق إن نظام أردوغان اعتقل عشرات الصحفيين مؤخرا بعد تسريبهم معلومات حول قتلى الجيش التركي في سوريا وليبيا.
وأكد، في مؤتمر صحفي تناول العديد من التطورات في تركيا، أن أردوغان لا يرغب في أن يعرف الشعب التركي أعداد الضحايا.
وأضاف أن "النظام التركي لا يرغب في معرفة الرأي العام أي أخبار عن قتلى الجيش في سوريا وليبيا؛ لذلك يقوم بترهيب من يخرج عن هذا الهدف من خلال التلويح بعصا القضاء والسجن".
وانتقد أحمد داود أوغلو، رئيس حزب "المستقبل" التركي المعارضة رئيس الوزراء الأسبق، قيام سلطات الرئيس أردوغان باعتقال الصحفيين؛ لكشفهم حقيقة ما يحدث للجيش التركي بليبيا.
بدوره قال زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو تعليقا على ملاحقة الصحفيين: "سنبذل قصارى جهودنا لإرساء سيادة القانون المفقودة في تركيا، سنعمل معا من أجل ذلك، وسنعيد جميعا إعادة تأسيس البلاد ديمقراطيا".
وأضاف زعيم المعارضة التركية قائلا: "الجميع في تركيا يعيشون فترة صعبة للغاية، جميع الفئات بلا استثناء من محامين ومثقفين وأكاديميين وصحفيين وكتاب وفنانين".
وأردف قليجدار أوغلو قائلا: "لكن عليكم ألا تنسوا أن سيادة القانون والعمل على الإعلاء من شأنها هي الخلاص من كل هذه المتاعب، لذلك سنزود هنا في كل مكان".
وعن الصحفيين المعتقلين قال زعيم المعارضة: "على أخوتنا الصحفيين المعتقلين ومن تجري محاكمتهم أن يعلموا أن الجميع بتركيا متضامنون معهم في قضيتهم، وليعلموا أنهم انتقلوا من سجن نصف مغلق (في إشارة للحياة بتركيا) إلى سجن مغلق بشكل كامل".
تحركات نقابية
وأصدرت 40 نقابة للمحامين في تركيا، السبت، بيانا مشتركا أدانت فيه الاعتقالات الأخيرة التي طالت الصحفيين الأتراك، مؤكدة أن "الصحافة ليست جريمة".
البيان أكد حرية الصحافة والصحفيين ودورهم في إطلاع الرأي العام على ما خفي عنهم من حقائق يتعمد النظام الحاكم التعتيم عليها.
والثلاثاء، نظمت نقابة الصحفيين الأتراك وقفات احتجاجية للتعبير عن إدانتها الشديدة للمارسات التي قام بها نظام أردوغان، خلال الأيام الأخيرة ضد الصحفيين، لفرض نوع من التعتيم على ما يحدث بليبيا.
الوقفات شهدتها 5 مدن تركية من بينها العاصمة أنقرة، وفي مدينة إسطنبول عقدت النقابة مؤتمرا صحفيا أمام القصر العدلي، ألقت فيه بيانا شددت من خلاله على أن "الصحافة ليست جريمة".
وطالب البيان بـ"الكشف عن المبررات التي دفعت لاعتقال الصحفيين بشكل غير قانوني، تلك الاعتقالات التي كشفت لنا أن النظام القضائي في تركيا لا يسير بشكل مستقل".
وتابع: "نحن ننشد العدالة، لأنه لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلد يغتصب فيه حق الشعب في الحصول على الحقيقة، ويعتقل فيه الصحفيون بشكل غير قانوني".
طالب البيان وزير العدل التركي عبدالحميد جول بـ"إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين فورا"، مشددا على أن "القانون والعدالة يجب أن يسودا في تركيا لا الظلم".
aXA6IDE4LjE4OC4yMjMuMTIwIA== جزيرة ام اند امز