الشعب الفلسطيني هو الأكثر تضررا من المزايدات الأردوغانية على قضيته، فمن السهل إطلاق الشعارات ورفع الصوت عاليا.
لقد ظهر مجدداً مستشار أردوغان ياسين أقطاي في الفترة الأخيرة متهماً السعودية والإمارات هذه المرة بالتطبيع مع إسرائيل، وزاعماً أن تركيا لن تتخلى عن القضية الفلسطينية.
ليس جديداً متاجرة تركيا بالقضية الفلسطينية بوسائل رخيصة وطرق بالية، فلطالما كانت هذه القضية بالنسبة لأنقرة مصدراً للمقاومة الشكلية تارة، والممانعة الشعبوية تارة أخرى، والاستغلال السياسي الرخيص تارة ثالثة. فدولة مثل تركيا تدعي أنها مع حقوق الفلسطينيين، بينما هي أول دولة إسلامية تنفرد بمعاهدة مع تل أبيب للتطبيع وترفع العلم الإسرائيلي في سماء عاصمتها. كما أنها من جهة تزعم مساندتها للقضية الفلسطينية، غير أنها تمارس التطبيع في أبشع صوره علناً، وتذهب بوفودها إلى إسرائيل وتوقع الاتفاقات السياسية والتجارية والعسكرية معها؛ حيث بلغ التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل أكثر من 5 مليارات دولار في العام الماضي فقط. وهكذا فإن الدول ذات العلاقة الحقيقية مع إسرائيل تستغل الدم الفلسطيني للمحافظة على مصالحها السياسية والتجارية عبر المزايدة على مواقف الدول الأخرى التي تعمل سراً وعلانية، من أجل توحيد الصف الفلسطيني وإيجاد حل حقيقي لقضيتهم.
الشعب الفلسطيني هو الأكثر تضرراً من المزايدات الأردوغانية على قضيته، فمن السهل إطلاق الشعارات ورفع الصوت عالياً، ومن الصعب التمسك بالمواقف الثابتة. ما يهم القضية الفلسطينية الآن هو عدم السماح لمثل هذه المزايدات التركية بالتأثير على مواقف الشعوب العربية من القضية وتراجع تعاطفهم معها، فالمواقف الحقيقية تبقى والمواقف الاستعراضية تزول.
وكالمعتاد لم يفوّت "أقطاي" الحديث حول قضية خاشقجي التي ماتت في كل مكان إلا لدى رئيسه أردوغان. أعاد المساعي الفاشلة، وكرر محاولات استعداء المملكة واستهدافها والتحريض ضدها من بوابة هذه القضية التي سئم منها حتى مواطنوهم في أنقرة. تناسى "أقطاي" أن نظام أردوغان متهم أساساً بدعم العنف والإرهاب، والتخفي خلف رداء ديمقراطية ثبت للعالم أنها زائفة، وانتهاكاتها أكثر من ممارساتها؛ حيث يقبع الآلاف من الصحفيين وأصحاب الرأي في سجون أردوغان، وتمت تصفية المئات منهم.
وقد ادعى "أقطاي" بأن تركيا لم تدعم الربيع العربي بل أيدته فقط! إلا أن الحقيقة تنافي هذا الادعاء، بل إنها سخرت جميع جهودها في دعمها، واستخدمت جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق هذا الهدف. ولكن جميع محاولاتها للقفز على تلك الثورات باءت بالفشل، بينما استمرت السعودية ومعها الإمارات في دعم الاستقرار، وعدم السماح بتدخل الدول الإقليمية مثل تركيا وإيران، في التأثير على خيارات الشعوب العربية، وهو موقف لا ينساه أردوغان إطلاقاً، ولذلك لا نستغرب عداوة أردوغان وحكومته للرياض وأبوظبي، فهم من قضى على أحلام "الخليفة" وأفشل مساعيه لاختراق الشعوب العربية وتنصيب نفسه زعيماً عليهم.
ذكر "أقطاي" أن تركيا أردوغان ليس لديها أي أهداف توسعية في المنطقة. لكن الحقيقة أن من يتابع سياسات أردوغان يدرك بوضوح أنه يملك طموحاً منبعه من التاريخ العثماني، من أجل أن تكون بلاده قائدة العالم الإسلامي، ولكنه فشل في كل مساعيه وخططه ومؤامراته بعد أن تجاهلته معظم الدول العربية والإسلامية وتمسكت بالسعودية وسياستها المتوازنة والواضحة، لتواصل دورها الحيوي في قيادة العالمين العربي والإسلامي.
الشعب الفلسطيني هو الأكثر تضرراً من المزايدات الأردوغانية على قضيته، فمن السهل إطلاق الشعارات ورفع الصوت عالياً، ومن الصعب التمسك بالمواقف الثابتة. ما يهم القضية الفلسطينية الآن هو عدم السماح لمثل هذه المزايدات التركية بالتأثير على مواقف الشعوب العربية من القضية وتراجع تعاطفهم معها، فالمواقف الحقيقية تبقى والمواقف الاستعراضية تزول، ومن دون موقف عربي موحد مبني على مصالح الفلسطينيين الحقيقية لن يكون هناك سلام مع إسرائيل أبداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة