أخذ الحشد الشعبي يشكل عبئا كبيرا على الحكومة العراقية الموزعة بين ولاءات هذه الفصائل التي انتهى دورها بعد القضاء على داعش.
لا يزال الشارع العراقي مشغولاً بما يُعرف بالحشد الشعبي المثير للجدل، سواء في تشكيلاته أو ولاءاته أو سياسته. ويتساءل الناس: "هل تبقى هذه الفصائل المسلحة تتحكم بحياته؟ وتعمل وكأنها جيش موازٍ للجيش؟ وهل يمكن نزع القدسية عنه؟ وهل سوف يندمج بالجيش؟ وما تأثير إيران على القرارات العراقية؟". كل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال استقراء الواقع العراقي بكل تعقيداته المتشابكة.
لا يزال السلاح منتشراً بعيداً عن يد الدولة، وقرار حصره بيدها لا يزال حبرا على ورق. وبدلاً من تنفيذ تلك الوعود، فقد أصبحت هذه المسألة تثير الصراعات والانشقاقات داخل المكونات الشيعية المختلفة في الوقت الحاضر بين مؤيد ورافض لدمج الجيش الشعبي في صفوف الجيش.
على أي حال، أخذ الحشد الشعبي يشكل عبئاً كبيراً على الحكومة العراقية الموزعة بين ولاءات هذه الفصائل التي انتهى دورها بعد القضاء على داعش. ولو أنها تستمر بحجة أن هذا التنظيم الإرهابي لم ينته بعد. وربما يمكن تفكيكه بفتوى مضادة أخرى مما يسمى المرجع الأعلى علي السيستاني.
بمرور الزمن، تحول الحشد الشعبي إلى جيش نظامي، بل أكثر قوة وتمويلاً وامتداداً منه، والأكثر من ذلك أن قراراته مرتبطة بإيران ومصالحها في بقاء هذه الفصائل حية على أرض الواقع كذراع عسكري لها تنفذ إرادتها. بل أصبح أي رئيس وزراء قادم لا يستطيع أن يتحدث عن هذه الفصائل المتنفذة، والتي تسيطر عليه الأحزاب الدينية، وتمولها من خلال وزرائها وكتلها السياسية من ميزانية الدولة العراقية المنهكة. وهؤلاء الوزراء بات تعيينهم بيد هذه الأحزاب التي تعمل على تمويل هذه المليشيات العسكرية بدلاً من استخدام الأموال في البنية التحتية والخدمات، لذا فإن المجتمع العراقي غير قادر على النمو والتطور، وهو يراوح في مكانه منذ 2003.
لقد أدرك رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي وفي زيارته الأخيرة لإيران، أن تفكيك الحشد الشعبي رغم وجود الأمر الديواني رقم 237 القاضي بإلحاق الحشد الشعبي في الجيش، مجرد حبر على ورق ولا يتلاءم مع الرغبة الإيرانية. وقد تبخر هذا الأمر الديواني في تاريخ 13 يوليو كآخر أجل لتطبيقه.
إن أطرافاً عديدة تتخوف من فرض سيطرة رموز الحشد الشعبي على الجيش العراقي، وبالتالي يتحول الجيش إلى تابع للحشد لا أكثر. وفي هذا الخضم، وجدت المكونات الأخرى نفسها خارج الطبخة العسكرية منذ أول تأسيسها. هناك من فصائل الحشد الشعبي مَنْ يؤيد الاندماج بالجيش وهناك مَنْ لا يؤيد، فعلى سبيل المثال، "سرايا السلام" و"عصائب أهل الحق" رحبت بالقرار، لكن فصائل مثل "كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"الخراساني"، و"أنصار الله الأوفياء"، و"النجباء"، و"سرايا الجهاد" رفضت هذا الاندماج حتى لا تفقد استقلالية قرارها وتبعيتها لإيران.
عملية الدمج هذه ليست حلاً بأي شكل من الأشكال، بل هي تخريب لكيان الجيش، لأن تطعيمه بعناصر خارجة عن القانون يعمل على زعزعة قوانينه وأسسه. يتحجج الرافضون في الاندماج بالتهديد الأمني القائم في العراق، بينما هذا التهديد الأمني يكمن في نقص الخدمات وانتشار الفساد وسرقة المال العام. هذا هو جوهر التهديد الأمني الحقيقي للمجتمع العراقي. يضاف إليه عدم انسجام وجهات نظر قيادات الجيش وقيادات الحشد. وتأتي تصريحات عادل عبدالمهدي غريبة بقوله أن الحشد الشعبي هو نوع آخر من الجيش ولا يمكن دمجه، ولا تنصاع لأوامره باعتباره قائداً للقوات المسلحة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن فصائل الحشد الشعبي لها امتدادات أخرى تفوق الحدود العراقية، فقد شهدت سوريا وجود مقاتلين عراقيين واشتراكهم بالقتال دعماً للنظام هناك. وهذا يكشف البعد الطائفي لهذه الفصائل وتصريحات قادتها بأنها تقاتل من أجل الدفاع عن "المقدسات"، التي حددتها بمرقد السيدة زينب في دمشق!
والسؤال المطروح:
"متى يمتثل الحشد الشعبي بكل مكوناته الرافضة للدمج والموافقة لأوامر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة؟".
لا يزال السلاح منتشراً بعيداً عن يد الدولة، وقرار حصره بيدها لا يزال حبراً على ورق. وبدلاً من تنفيذ تلك الوعود، فقد أصبحت هذه المسألة تثير الصراعات والانشقاقات داخل المكونات الشيعية المختلفة في الوقت الحاضر بين مؤيد ورافض لدمج الجيش الشعبي في صفوف الجيش. ومسألة منح الرتب العسكرية إلى فصائل الحشد الشعبي في حالة دمجها، ستثير حفيظة الجيش وحساسيته. ولا ننسى أن قيادات هذا الحشد يشكل نحو سُدس البرلمان، مما يعطيه ثقلاً سياسياً كبيراً.
ولا تزال الإدارة الأمريكية تنتظر تفكيك المليشيات الطائفية التي ينضوي معظمها في الحشد، ويبلغ تعدادها نحو 30 تنظيماً مليشياوياً تنضوي تحت لواء الحشد الشعبي، وتضم أكثر من 150 ألف مقاتل في الخدمة الفعلية، حسب الإحصاءات الأمريكية، ما يجعلها أشبه بالمافيا التي تنتهك جميع القوانين.
أما على الصعيد الدولي، فإن الولايات المتحدة تعتبر الجيش الشعبي بكل مليشياته يشكل تهديداً لها، لأنها على حد تعبير رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، عبارة عن مزيج خطير من المليشيات والمافيا، ولا يمكن السيطرة عليها، حسب ما نقلته عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، ويعود ذلك إلى ارتباط هذه المليشيات بإيران بات رغم تمويلها من قبل الحكومة العراقية، وعدم خضوعها لا إلى وزارة الدفاع ولا إلى وزارة الداخلية، بل تشكل مجاميع لا يحكمها أي قانون، بعضها موالٍ للحكومة، وبعضها الآخر على صلة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة