غول يريد من الأحزاب المعارضة أن تتركه على مسافة واحدة منها وأن يكون فوق الأحزاب ومرشح الإنقاذ الوطني
باغت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أحزاب المعارضة، وهي في ثباتها بإعلانه تقديم موعد الانتخابات، التي كانت مقررة في نوفمبر / تشرين الثاني 2019، إلى يوم الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران القادم.
تركيا بعد شهرين ستذهب إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومجلس نواب يقود المرحلة في السنوات الأربع المقبلة، لكن مهمة الناخب الحقيقية ستكون إسدال الستار على نظام الحكم البرلماني الذي تعرفت إليه البلاد قبل قرن تقريباً، والانتقال النهائي إلى النظام الرئاسي الذي سيعطي الصلاحيات الأوسع لرئيس الجمهورية، على حساب البرلمان ودوره والذي كانت أولى عتباته الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية قبل عام، وحصول العدالة والتنمية على ما يريده بفارق نقطة واحدة.
اسم الرئيس التركي الأسبق عبد الله غول يبرز إلى الواجهة مجدداً هنا كمرشح مقبول وقادر على قلب التوازنات في الاستحقاق الرئاسي، المشكلة الآن هي إقناع غول القادم من خلفية إسلامية امتدادية لحزب العدالة والتنمية بتولي هذه المهمة.
قرار الانتخابات المبكرة فاجأ قيادات وقواعد حزب العدالة والتنمية نفسها كما يبدو، فأردوغان كان ومنذ أشهر هو من يردد ويكرر أن لا انتخابات نيابية مبكرة "لأنها مضيعة للوقت ودليل عجز في السياسة"، وأن الناخب أعطانا هذا الحق ونحن سنستخدمه حتى النهاية. فما الذي دفع الرئيس التركي لتبديل موقفه على هذا النحو؟.
هل هي مصلحة تركيا التي تمر بظروف سياسية وأمنية صعبة، وهي في مواجهة خطط استهداف كما يُقال؟ أم هي مصلحة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية اليميني خصم الأمس وحليف اليوم في إدارة شؤون البلاد؟، وما هي أبرز المواقف والاحتمالات والسيناريوهات الداخلية والخارجية التي تنتظرها تركيا خلال الشهرين المقبلين، والتي قد تحمل الكثير من المفاجآت السياسية باتجاه أو باتجاه آخر؟، وهل استطاعت المعارضة تجاوز ارتدادات الصدمة الأولى والانطلاق بحثاً عن خيارات وبدائل تفتح لها الطريق لمواجهة "اتفاق الجمهور" الذي يوحّد قيادات ورموز الإسلام السياسي التركي الذي بات يحتاج كما يبدو إلى أصوات ودعم الحركة القومية اليمينية المتشددة للبقاء في السلطة؟.
الإعلان عن تاريخ 24 يونيو المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا حرّك الحزب الحاكم والمعارضة للبحث عن سبل حشد القواعد واتخاذ القرارات السريعة والحاسمة؛ لكسب دعم الناخب التركي. الواضح أكثر هو أن قواعد اللعبة السياسية الكلاسيكية سقطت تماماً أمام النقلات الكبيرة والمفاجئة في المشهد السياسي التركي، وكل شيء بات متوقعاً وأننا سنسمع كثيراً باسم مكيافيللي ونظرياته حول المباح في الوسائل من أجل الوصول إلى الغايات.
كيف تمكن دولت بهشلي زعيم الحركة القومية، هذا الحزب الصغير الذي تعرض لحركات انشقاق وشرذمة كثيرة في العامين الأخيرين من إقناع أردوغان بفوائد الذهاب إلى الانتخابات المبكرة؟، وكيف يقترح على الرئيس التركي تاريخ أغسطس المقبل فيما يوافق أردوغان على الاقتراح ويذهب أبعد من ذلك بتقريب الموعد إلى شهر حزيران، وهي حالة لم تقع حتى الآن في التاريخ السياسي التركي؟.
هل هي ضمانات بهشلي أنه سيدعم أردوغان في الانتخابات الرئاسية أم هي الأسباب التي أعلنها حول ضرورة الرد على مخطط استهداف تركيا من الداخل والخارج؟، أم هو تفاهم الحزبين على ضرورة اصطياد المعارضة التركية وهي مفككة مشتتة تعتبر أن الوقت أمامها ما زال طويلاً لوضع خطط الانتخابات التي لن تكون قبل 16 شهراً؟.
بعد أيام على إعلان قرار الذهاب إلى الانتخابات المبكرة ووسط أزمة احتمال قطع الطريق على مشاركة حزب "إيي بارتي" المنشق بغالبيته عن الحركة القومية، قدم 15 برلمانياً في حزب الشعب الجمهوري اليساري المعارض استقالاتهم بقرار من قيادة الحزب ليلتحقوا بحزب "إيي"الذي تترأسه ميرال أكشنار، وبذلك يصبح عدد نواب هذا الحزب 20 نائباً برلمانياً داخل مجلس الشعب مما يؤهله لتشكيل كتلة برلمانية مستقلة تعطيه حق المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
عملية رد من العيار الثقيل باسم حماية المسار الديمقراطي على مفاجأة الانتخابات المبكرة التي أرادها بهشلي لقطع الطريق على حزب أكشنار لكنها مؤشر آخر على صيف ساخن في المشهد السياسي والانتخابي في البلاد.
تطور آخر دخل على مسار العملية الانتخابية قبل أن تنطلق الحملات حتى، وهو موقف بعض العواصم الغربية التي بدأت تعلن تخوفها من التطورات السياسية في تركيا، حيث كانت الوعود المعلنة هي إطلاق المزيد من الحريات وفتح الأبواب أمام المسار الديمقراطي والمصالحة الوطنية، وتفعيل دور تركيا في صناعة السلم الإقليمي، لكنها اليوم وكما تقول تتابع تراجع الكثير من هذه الوعود في العامين الأخيرين.
عواصم أوروبية مثل برلين وستوكهولم وفيينا تريد أن تكون حيادية وبعيدة عما يجري بإعلانها رفض السماح بحملات دعائية تركية فوق أراضيها، ثم موقف أمريكي يتحدث عن انتخابات تركية صعبة في ظل حالة الطوارئ وأزمات الحريات والديمقراطية، فيما كان الناطق باسم الخارجية التركية يستعد للرد على واشنطن "التي تتدخل في شؤون تركيا الداخلية"، وفي انتخابات لم تتم، وكان وزير الشؤون الأوروبية عمر شليك يقول بأن هذه المواقف لا ترتكز على القيم الأوروبية في الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل هي رسائل تحية للمجموعات العرقية"، كانت واشنطن تستعد هذه المرة للإعلان عن فتح ممثلية لقوات سوريا الديمقراطية لتكريس الاعتراف بهذه الوحدات دبلوماسياً وسياسياً، وكان البرلمان الأوروبي يدعو أنقرة لإرجاء قرار الانتخابات المبكرة بسبب الظروف التي تعيشها تركيا، والتي تتعارض مع المعايير الأوروبية في الذهاب الى انتخابات من هذا النوع.
طبعاً مهمة الأحزاب المعارضة ستكون أصعب وبكثير مما سيقوم به الحزب الحاكم وحليفه القومي، فهي حتى الآن ما زالت تبحث عن فرصة التنسيق والتعاون تحت سقف واحد في الانتخابات البرلمانية حيث تتضارب المصالح والمواقع والتطلعات، ثم هناك بعد ذلك مسألة الاتفاق على مرشح رئاسي تؤيده ويرضى به الجميع في حزب الشعب الجمهوري وحزب "إيي"، وحزب الشعوب الديمقراطي الذي تدعمه الغالبية الكردية إلى جانب الأحزاب الإسلامية واليسارية الأخرى.
اسم الرئيس التركي الأسبق عبد الله غول يبرز إلى الواجهة مجدداً هنا كمرشح مقبول وقادر على قلب التوازنات في الاستحقاق الرئاسي، المشكلة الآن هي إقناع غول القادم من خلفية إسلامية امتدادية لحزب العدالة والتنمية بتولي هذه المهمة، فهل يرضى أن يتحمل عبئاً كبيراً من هذا النوع، ويدخل في مغامرة غير مضمونة وهو المعروف عنه أنه واقعي وعملي وحذر في اتخاذ قراراته السياسية؟.
غول يريد من الأحزاب المعارضة أن تتركه على مسافة واحدة منها وأن يكون فوق الأحزاب ومرشح الإنقاذ الوطني، والمعارضة تريده أن يحسَب عليها وأن يتبنى أهدافها وخططها في العودة إلى النظام البرلماني وإلغاء حالة الطوارئ، والمصالحة مع الشرق والغرب التي دخلت في غموض سياسي ودبلوماسي إقليمي ودولي حاد، فمن الذي سيقنع الآخر؟.
غول سيتريث أولاً لمعرفة القرار النهائي لحزب أكشنار في دعمه منذ الجولة الأولى للانتخابات، أم لا؟ ثم يريد أن يتأكد من دعم حزب الشعوب الديمقراطي له ومساعدته في الحصول على أصوات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا، وسيستشير حلفاءه والمقربين إليه في حزب العدالة والتنمية الذين اُستبعدوا أو تنحوا من مواقع القيادة بعد خلافاتهم الحزبية والسياسية قبل إعطاء قراره النهائي.
بعض الأقلام المقربة من الحكم بدأت منذ اليوم التذكير بسلبيات فترة حكم عبد الله غول، البعض يقول أيضاً إن طبخة عبد الله غول التي تعد لها بعض القوى السياسية واللوبيات ستحترق، وأنها قد لا تكتمل لأن غول نفسه لا يبدو متحمساً للدخول في مغامرة سياسية من هذا النوع، لكن الجميع يعرف أن غول هو الفرصة الوحيدة التي تملكها المعارضة لمواجهة أردوغان.
العدالة والتنمية يقول إن بين أسباب الذهاب نحو الانتخابات المبكرة هو متطلبات المرحلة المقبلة، وما يتعلق منها باتخاذ قرارات حاسمة مثل الملف السوري والعراقي والقبرصي والأوروبي والأطلسي، وهي مسائل قد تشهد تحولات في مواقف وسياسات تركيا المعتمدة حتى الآن.
لكن المعارضة تقول إن الحزب الحاكم يريد الذهاب باكراً إلى الانتخابات للخروج من أكثر من ورطة سياسية واقتصادية داخلية ومواجهة الأزمات الإقليمية الكثيرة، وإن الانتظار حتى شهر تشرين الثاني من العام المقبل كان سيسبب له تراجعاً كبيراً في الدعم والتأييد الشعبي لذلك قرر القفز إلى الأمام.
هناك عقبة الوقت والفترة الزمنية القصيرة التي تتطلب تحركاً سريعاً وواسعاً في صفوف المعارضة، ثم هناك غالبية استطلاعات الرأي التي تعطي الرئيس التركي الحظ الأكبر في الفوز، في المقابل هناك ما تقوله المعارضة ويطارد "تحالف الجمهور" وهو قرار إجراء الانتخابات وسط أجواء حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ المحاولة الانقلابية قبل عامين تقريباً، وما رافقها من اعتقالات وتوقيفات ومساس بالحريات، وتدهور العلاقات مع الكثير من العواصم والدول، وأنه حتى لو جاءت نتائج الانتخابات المقبلة لصالح العدالة والتنمية؛ فهي لن تغلق الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الساخنة في الداخل التركي، ولن تزيل العديد من القضايا الإقليمية العالقة المرتبطة بسياسات وتحالفات وقرارات العدالة والتنمية الإقليمية والدولية. فهل سيكون بمقدور المعارضة اجتراح المعجزات خلال شهرين في الاتفاق على أكثر من خطوة سياسية وبرلمانية ورئاسية توحدها في مواجهة أردوغان وبهشلي؟، وما الذي سيقوله الناخب التركي هنا وإلى جانب أي خيار سيقف صباح الرابع والعشرين من حزيران المقبل؟.
ثعلب السياسة التركية الرئيس الراحل سليمان دميرال كان يقول دائماً إن 24 ساعة في السياسة فترة زمنية طويلة جداً، حبلى بالمفاجآت والتقلبات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة