حرب أوكرانيا تغير بوصلة أوروبا.. ميزان القوى يتحرك شرقا
خبراء يعتقدون أن حرب أوكرانيا بدأت بنقل ميزان القوى الأوروبية من الغرب إلى الشرق، في تحولات قد ترسم قسما من ملامح نظام عالمي جديد.
واعتبر تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أن الحرب الجارية في أوكرانيا بدأت تحول ميزان القوى الأوروبية نحو الشرق بعيدا عن المركز التقليدي للغرب الذي وطد علاقاته في السابق مع موسكو.
تغيير يتجسد من خلال توجه الأعضاء الجدد شرقًا وشمالًا، بذكرياتهم عن الاتحاد السوفيتي وإحجامهم عن التنازل عن أجزاء من سيادتهم المعاد تأسيسها لبروكسل.
ونقل التحليل عن المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال زيارة أجراها قبل أشهر إلى براغ عاصمة التشيك، إن "وسط أوروبا يتجه شرقا".
صدمة
واعتبر التحليل أن حرب أوكرانيا كانت بمثابة صدمة للنظام الأوروبي وميزان القوى التقليدي لكل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد شددت وعززت من نفوذ بلدان وسط وشرق أوروبا وضاعفت الدعوات لتوسيع تكتل القارة العجوز وحلف الناتو، وقللت من قوة فرنسا وألمانيا.
وكانت بولندا ودول البلطيق القوة الدافعة الأساسية وراء دعم أوكرانيا، وملء الفراغ شبه الكامل في وقت مبكر من الحرب، عندما بدا زعماء أوروبا التقليديون، فرنسا وألمانيا، فى حالة تشبه الشلل.
لكن الحرب جلبت أيضًا إلحاحًا جديدًا وطاقة لتوسيع الاتحاد الأوروبي إلى غرب البلقان وما وراءها، مع دعوات لضم أوكرانيا ومولدوفا.
ووفقا لتحليل "نيويورك تايمز"، كانت الضغوط المبذولة من شرق ووسط أوروبا حاسمة في قرارات هذا الأسبوع، بعد شهور من الجدل والمقاومة لإرسال الدبابات الغربية لأوكرانيا.
وكانت برلين قد أعلنت عزمها تزويد دبابات "ليوبارد 2" لأوكرانيا، كما ستسمح لدول أخرى بذلك، فيما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سيرسل دبابات أبرامز، مما أعطى شولتز الغطاء السياسي الذي يريده.
بوصلة تتغير
ونقل التحليل عن تيموثي جارتون آش، المؤرخ الأوروبي بكلية سانت أنتوني في أكسفورد: "يتم الاستماع إلى أصوات وسط وشرق أوروبا بشكل أكبر وتؤخذ بجدية أكبر في مجالس أوروبا، وهناك جدول أعمال كبير لتوسيع مساحة الشرق على الطاولة."
وقال إنه مع وجود حرب كبرى داخل حدودها، فإن أوروبا تلتف حول القوة الصارمة الآن أكثر من ذي قبل، و"لذلك، فإن وجود أوروبا الوسطى والشرقية التي تأخذ الأمن على محمل الجد، سيكون له تأثير."
وبولندا لديها جيش سريع التوسع - حيث قالت الحكومة العام الماضي إنها تخطط لمضاعفة حجم قواتها المسلحة، وطلبت كمية كبيرة من الأسلحة الجديدة المتطورة، مما يجعلها لاعبًا أكثر أهمية في كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ومما يؤكد الطرح، تصريح أدلت به جانا بوجليرين، مديرة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، قالت فيه: "لقد تحرك ميزان القوى شرقاً وستعمل أوكرانيا على تعزيز هذا الاتجاه".
وأضافت أنه يمكن للمرء أن يستنبط الكثير من حرب أوكرانيا، فدول وسط وشرق أوروبا تعتبر نفسها "مقاتلة من أجل الحرية في الاتحاد الأوروبي والدفاع عن قيمها".
وتابعت أنهم "يشعرون بأنهم مُبررون في تحذيراتهم القديمة بشأن اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية - على عكس ما يرونه من سذاجة أوروبا الغربية بشأن الدبلوماسية والتجارة مع روسيا".
ومن خلال العمل مبكرًا لتقديم الدعم العسكري الأوكراني والترحيب باللاجئين، "ساعدت هذه البلدان في تشكيل الموقف لأوروبا، فقد كانت الدول الشرقية سريعة الحركة وذات مصداقية أكبر، وكنا عاجزين عن الكلام ومجمدين"، على حد قولها.
وكان على ألمانيا وفرنسا أيضًا مواجهة فشل سياستهما التقليدية لضمان الأمن الأوروبي عبر التعاون مع روسيا، وليس ضدها.
جهود ماكرون
وسط ملامح التغيير التي تفرض نفسها، يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمله في أن يكون جزءًا من أي مفاوضات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا.
وذهب إلى حد الحديث عن إعطاء ضمانات أمنية لروسيا، الأمر الذي أثار غضب الكثيرين في أوروبا، وليس فقط في الشرق، كما جعلت الحرب طموح ماكرون في دفاع أوروبي "مستقل" يبدو أجوفًا نظرًا للدور المعزز بشكل حاد لحلف شمال الأطلسي وواشنطن خلال العام الماضي.
وبعد إضعافها داخل أوروبا، على الأقل في الوقت الحالي، ستكون فرنسا أيضًا أقل تأثيرًا في حلف الناتو الأكثر نشاطًا وعدوانية، ويعتمد التحالف على الأسلحة والقيادة الأمريكية أكثر مما كان عليه قبل الحرب، وليس أقل من ذلك، ومن المتوقع أن يتوسع قريبًا بالعضوية الجديدة للسويد وفنلندا.
ألمانيا غير مستعدة
أما ألمانيا، فلم تكن حكومتها بقيادة أولاف شولتز مستعدة للحرب، ناهيك عن القطع المفاجئ للطاقة والتجارة الروسية.
ومع تزايد القلق بشأن اعتماد مماثل على الصين، تواجه ألمانيا الحاجة إلى إعادة تشكيل اقتصادها القائم على التصدير، والمبني على الغاز الروسي الرخيص والتجارة غير المقيدة مع الصين.
ومن جهته، قال فويتشخ برزيبيلسكي من مؤسسة بحثية مقرها وارسو، إن "الأهمية الجديدة لبولندا بالنسبة للناتو تجعلها أيضًا أكثر أهمية للاتحاد الأوروبي".
ولفت برزيبيلسكي إلى أن "حجم مشتريات المعدات الجديدة وترقية أنظمة الدفاع تجعلها دولة يجب عليك التحدث إليها عند مناقشة ضمانات الأمن والسلام."
كما أشار إلى أن أوروبا الوسطى والشرقية "تقدم الكثير من المواقف حتى لو كان الجوهر لا يزال في أيدي اللاعبين الكبار"، معتبرا أن الحرب "أكدت حقيقة أن أوروبا لم يعد من الممكن أن تُحكم من باريس وبرلين".
ويرى هانز كونداني من تشاتام هاوس، الذي كتب على نطاق واسع عن ألمانيا والاتحاد الأوروبي، تحولًا نفسيًا في أوروبا.
لكن يعتبر مع ذلك أن قوة بروكسل تعتمد على الاقتصادات وحجم السكان، ولذلك قد يظل مركز الثقل في أوروبا في الغرب، وبالنسبة للدول التي أصبحت حازمة حديثًا في الشرق ، قال: "لست مقتنعًا بأن الثقة والأرضية الأخلاقية العالية كافية لإنجاز أشياء كبيرة في بروكسل".
aXA6IDMuMTQwLjE5OC4yMDEg جزيرة ام اند امز