لعل من المنطق السليم القول: إن سوء التصرف يؤدي حكماً إلى التشدد والتطرف، والجدير بالذكر هنا أن ما حصل في مملكة السويد قبل أيام، من عمل بشعٍ ومُدانٍ حيال المصحف الشريف، هو تصرفٌ أرعن من شخصٍ متطرفٍ، لكن الأسوأ منه هو تلك القوانين العرجاء التي تحمي هؤلاء
ومن الأهمية بمكانٍ أن نتوقف بهدوء عند نقاطٍ دقيقة، تشرح بقدر ما تفضح ازدواجية المعايير المقيتة في بعض الدول الغربية، لنصل بالقارئ الكريم في نهاية المطاف إلى صورة شبه متكاملة تبرز ماهية الفعل وردة الفعل.
أولاً: دولةٌ مثل السويد تمتلك على مدى سنوات طويلة سمعة جيدة في الأوساط العربية وحتى الإسلامية، لكنها تشتري بثمن بخسٍ هذه الأيام تشويه سمعتها والعداء لها دون سبب وجيه يذكر، حتى بتُ أنا شخصياً أخجل أحياناً من القول: إنني أقيم في السويد، تلكمُ الدولة التي تجرم من ينتقد الشذوذ وتلاحقه، وتسمح بل وتحمي شرطته من يقدم على الإساءة العلنية لكتاب مقدس عند مليار ونصف مليار إنسان يعيش في الكرة الأرضية.
ثانياً: بابا الفاتيكان نفسه وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم أدان واستنكر هذا التصرف حيال "القرآن الكريم" عبر حوار شيقٍ ومهم مع الزميل الصحفي الإماراتي محمد الكعبي رئيس تحرير جريدة الاتحاد الإماراتية، وبالتالي فإن مئات الملايين من أتباع البابا حول العالم يتفقون مع موقف البابا.
ثالثاً: مواقف الدول العربية والإسلامية الكبرى مثل الإمارات والسعودية على سبيل المثال لا الحصر، كانت مباشرة وسريعة وتمثلت أحياناً باستدعاء السفراء السويديين إلى مباني وزارات الخارجية للاحتجاج، وهذا أمر يبنى عليه الكثير في علاقات البلدان على المستوى الدبلوماسي وحتى السياسي.
رابعاً: في وقت تشدد به الدول العاقلة والناجحة على مبادئ التسامح والحوار بين أتباع الديانات، أقله ما نسمعه ونتابعه من جهودٍ مباركة يبذلها الشيخ محمد العيسى؛ رئيس رابطة العالم الإسلامي والعلامة عبدالله بن بيه مفتي دولة الإمارات العربية المتحدة والدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف، أليس حرياً بأوروبا أن تصغي لهذه المبادرات وتوقف موجة العبث بقيم الآخرين ومقدساتهم.
خامساً: البغضاء التي تخلفها مثل هكذا تصرفات مرفوضة، هي وصمة عارٍ في جبين أي دولةٍ غربية تضرب بعرض الحائط مبدأ احترام الأديان والحضارات، وتجعل الشعوب في صدامٍ وجدل لا طائل منه، ونحن في عالم أحوج ما نكون إلى الاستقرار والتفكير بمستقبل أفضل للناس.
سادساً: ألم يلتحق مئات المتطرفين القادمين من أوروبا بتنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة؟، وفي الوقت نفسه منحت بعض الدول الغربية عناصر تنظيم الإخوان المسلمين المتطرف تسهيلات لا تخطر على بال، وأصبح الإخونج وبالاً على المجتمعات الغربية والعربية، وحين يتحرك القضاء في أي بلد عربي حيال جماعة الإخوان الإرهابية ترتفع الأصوات في أوروبا وأمريكا للدفاع عنهم، إما من خلال دكاكين حقوق الإنسان المزعومة أو غيرها.
سابعاً: في المقلب الآخر هناك العديد من عناصر ميليشيات حزب الله والحشد الشعبي والحوثي الإرهابي يعيشون في دول غربية، بل ويحملون "الجنسية الأوروبية" لبعض دول الاتحاد الأوروبي، ويستغلون ذلك من أجل الترويج للتطرف والإرهاب، وهنا أتوقف عند تغريدة مفصلة لرجل الأعمال الإماراتي المعروف خلف الحبتور انتقد فيها مسألة التجنيس العشوائي في بعض الدول الغربية، وهو أمر ثابت وموثق.
وخلاصة القول في هذا الصدد تدعونا جميعاً للتعاون وليس التناحر كبشر، فالتحديات التي تقف عائقاً أمام تقدم الإنسانية أضحت مشتركة في كثير من الأحيان، وقد نجحت دولٌ عربية خليجية مثل الإمارات والسعودية والبحرين في تقديم نماذج مشرفة للسلام والتفاهم، وهذا بحد ذاته خدم المنطقة بل والعالم كله بشهادة المنصفين والعقلاء التواقين لتغليب منطق العقل والحوار على مفاعيل الصراع ومفاهيم العنف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة