مساعدات مالية مرتقبة.. الاقتصاد التونسي ينشد الإنقاذ
تعيش تونس صعوبات مالية خانقة في ظل عدم حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية.
هذه الصعوبات زادت مخاوف الدول الأوروبية من تدفق المهاجرين إلى أراضيهم لتعلن فرنسا وإيطاليا عن دعم مالي هام لإخراج تونس من أزمتها.
ويرى خبراء أن ملف الهجرة سيمكن تونس من كسب الورقة الرابحة والوصول إلى مبتغاها والخروج ولو نسبيا من أزمتها الاقتصادية.
وتنتظر الحكومة التونسية من صندوق النقد الدولي "الإفراج" عن قرض مالي بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح على أربع سنوات، لتتمكن من الخروج إلى الأسواق المالية وتعبئة الموارد لموازنة هذا العام وكذلك سد فجوة موازنة 2022 التي لم يتم إغلاقها إلى الآن.
وعلى رغم حصول اتفاق الخبراء في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022 بين تونس وصندوق النقد الدولي وإرجاء الاتفاق النهائي والرسمي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أن المكتب التنفيذي للصندوق سحب مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله في الشهر ذاته، وأجّل الموافقة النهائية إلى حين تنفيذ تونس برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
وتشمل الإصلاحات نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى، وهي إجراءات قوبلت بتحفظ كبير من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد.
وفي فبراير/شباط 2023، شهد معدل التضخم في تونس ارتفاعاً غير مسبوق، بنسبة 10.4 في المئة في ظل استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محلياً وارتفاع أسعارها عالمياً، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.
مساعدة تونس
والإثنين 4 أبريل/نيسان الجاري قال السفير الفرنسي لدى تونس، أندريه باران، إن فرنسا وكل الجهات المانحة مستعدة لمساعدة تونس في ظل التزام الحكومة التونسية بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية.
وأضاف باران، أن التمويل التكميلي لتونس من قبل الجهات المانحة يظل مرتبطًا بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لافتًا إلى أهمية عدم تأجيل الإصلاحات وإن كانت صعبة ومعقدة، بما يمكّن الاقتصاد التونسي من الإقلاع من جديد.
وأكد السفير الفرنسي أن دعم تونس بالتمويلات المالية لا يحل الإشكال بل أنه، سيعمّق مسألة التداين الخارجي لتونس، في صورة عدم انخراطها في الإصلاحات الهيكلية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي وعدم تطبيق إجراءات قانون المالية 2023، على غرار الرفع التدريجي للدعم بالنسبة للمحروقات وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية.
وتابع حديثه، قائلاً: "إن الحل الوحيد يمر عبر تطبيق الإصلاحات وإيجاد حلول سليمة على المدى الطويل، سيما وأن الاوضاع الاقتصادية معقدة، والدولة التونسية ستجد صعوبات كبيرة للمحافظة على منظومة الدعم وتسديد كتلة الأجور ومواجهة الدين الخارجي".
وأعرب السفير الفرنسي عن أمله في مواصلة فرنسا والاتحاد الاوروبي مساعدة تونس باعتبار أهمية الشراكة الوثيقة بين الطرفين في عديد المجالات الاقتصادية منها والأكاديمية، قائلًا: "يجب أن تكون تونس مستقرة ومزدهرة ومن الصعب إقناع المانحين بدعم بلادنا إذا لم يكن هناك التزام واضح بتطبيق الإصلاحات الواجبة".
من جهة أخرى، أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، خلال مؤتمر صحفي في أعقاب الاجتماع الوزاري حول دول غرب البلقان، عن تقدم في الاتجاه الصحيح بشأن تونس، التي يجب منع « الانهيار المالي » فيها.
وتحدث تاياني عن «موقف أكثر انفتاحًا» من جانب المجتمع الدولي، ردًا على سؤال حول قرض منتظر من صندوق النقد الدولي لتونس.
وقال تاياني «يبدو لي أن الوضع الآن متاح أكثر من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وأيضًا على الجانب الأوروبي بعد زيارة مفوض الشؤون الاقتصادية باولو جينتيلوني لتونس مؤخرًا».
وأشار وزير الخارجية الإيطالي إلى أن إيطاليا على استعداد لإرسال مساعدات تبلغ 100 مليون يورو إلى تونس، منها 50 مليونًا للشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية.
وقال تاياني «نحن على اتصال مستمر بالحكومة التونسية. من الضروري مساعدة هذا البلد وفي نفس الوقت من المهم تنفيذ الإصلاحات»، مشيرًا إلى أن روما اقترحت ربط صرف شرائح قرض صندوق النقد (1.9 مليار دولار في المجمل) بمسار الإصلاحات خطوة بخطوة».
وسبق أن أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، أنه "يجب أن ندعم تونس، كونها المكان الذي ينطلق منه المهاجرين بشكل متزايد".
وأضاف الوزير تاياني، "أنا أحادث وزير الخارجية التونسي كل يوم تقريباً، ونحن نعمل على إرسال مساعدات اقتصادية بأسرع وقت ممكن”، مبيناً أن “الشيء الأساسي هو منع الانهيار المالي لتونس".
وأشار رئيس الدبلوماسية الإيطالية، إلى أن “الوضع في تونس معقد بسبب أزمة مالية كبيرة. نحن نعمل بشكل مكثف من خلال تقديم مساعدات إيطالية، إلى أن يتمكن صندوق النقد الدولي من دعم الميزانية”.
وتشير أحدث بيانات وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن تونس تحولت إلى بلد العبور الأول في المنطقة نحو إيطاليا، فيما قدّرت الإحصائيات عدد المهاجرين الذين انطلقوا من السواحل التونسية بـ12 ألفا و83 شخصا منذ بداية العام حتى يوم 13 مارس/آذار الجاري مقارنة بـ1360 وافد في نفس الفترة من العام المنقضي.
وتسعى إيطاليا بدفع من انشغالها بتفافم ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين المتوافدين على أراضيها إلى حشد الدعم الأوروبي لتونس، فيما سبق أن قدمت وعودا بالزيادة في استثماراتها بتونس من خلال إحداث 900 شركة بهدف المساهمة في الجهود التونسية لامتصاص نسبة البطالة المرتفعة في البلد.
من جهة أخرى، قال جوي هود السفير الأمريكي بتونس،"أولًا لا بد من الإشارة إلى أن أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيكون قرارًا سياديًا تونسيًا بحتًا وما يتداول حول إعاقة الولايات المتحدة وعرقلة توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي هو أمر خاطىء وعارٍ من الصحة، وما تم في الحقيقة هو أن الحكومة التونسية وضعت خطة إصلاح قدمتها إلى صندوق النقد الدولي ولاقت القبول من الصندوق وعندما تتقدم تونس في تنفيذ خطة الإصلاح لن تلقى إلا كامل الدعم من الولايات المتحدة.
وأضاف جوي هود "ما سمعته من زملائي السفراء الأجانب الآخرين المعتمدين بتونس هو أنه عندما تتوصل تونس إلى اتفاق مع النقد الدولي سيكون هناك تدفق لدعم خارجي آخر ثنائي مع هذه الدول وتمويلات أخرى خارج تمويلات صندوق النقد الدولي".
وسبق أن طالب الرئيس التونسي قيس سعيّد، بتحويل الديون المستحقة لدى شريكها الاتحاد الأوروبي إلى استثمارات.
وعود مهمة
ويرى علي الصنهاجي الخبير الاقتصادي التونسي أن تونس لن تتحصل على تمويلات وقروض لتمويل الميزانية من الدول المانحة خاصة منها الأوروبية دون التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأكد في تصريحات لـ"العين الاخبارية" أن الاتفاق مع صندوق النقد رهين تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية موضحًا أن تونس مطالبة في عام 2023 بسداد ديون بقيمة 2.885 مليار دولار.
وأشار إلى أن الوعود الفرنسية والايطالية مهمة لإخراج تونس من أزمتها موضحًا أن تونس يجب ان تستفيد من ورقة الهجرة غير النظامية مقابل مساعدات مالية تخرجها من وضعها الاقتصادي الحرج.
ودعا إلى ضرورة تكثيف المساعي الديبوماسية لانقاذ البلاد والانطلاق في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بالرغم من قساوتها ومن آثارها التي ستكون على الشعب التونسي.
وأكد أنه في صورة عدم الحصول على قرض الصندوق، سيكون الوضع دقيقا وستجبر فيه الدولة على اللجوء لمزيد من الاقتراض الداخلي كما سيتم عدم قدرة الدولة حتى توف المواد الأساسية والأدوية والمحروقات وتسديد ديونها الخارجية.
aXA6IDE4LjIyMS45My4xNjcg جزيرة ام اند امز