عندما يتجول المرء بين أجنحة إكسبو دبي 2020 وشوارعه وساحاته، يشعر بأنه في مهرجان احتفالي و"عيد متنقل" كما في رواية إرنست همنغواي.
لا يمكن أن نتخيل ضخامة الفنون، التي تشارك في فعالياته التجارية والعلمية، فكل دولة من الدول المشاركة تنظّم فعالياتها الفنية الخاصة، التي تعبر عن ثقافتها وهويتها وتقدمها إلى جانب ابتكاراتها وصناعاتها.
وهذا ما جعل إكسبو دبي يتميز عن جميع معارض إكسبو العالمية منذ أول انعقاد لها في لندن عام 1851.
وهذا ليس بغريب، لأن الإكسبو الأول في العالم قدم الفن الحديث وتياراته المختلفة كالتعبيرية والانطباعية والتجريدية، ومن هنا جاءت أهميته، ليس كمكان لعرض المنتجات والاختراعات والابتكارات، مثل التلغراف الكهربائي والميكروسكوب والمضخات الهوائية والباروميتر والآلات الموسيقية والساعات الجدارية الضخمة لأول مرة فقط، بل لتقديم الفنانين وتأثيراتهم على أذواق الجمهور الواسع.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأت العمارة الوطنية باستخدام العناصر التراثية في مباني إكسبو وأجنحتها.
وهكذا انطلق فيما بعد بتركيزه على الثقافة والصناعة معاً، اللتين أصبحتا شعبيتين في القرن التاسع عشر.
وقد حضره أبرز الشخصيات آنذاك منهم شارلز داروين، وأعضاء العائلة الملكية، وعدد من مشاهير الكتّاب، فالثقافة هي النبض الحيوي لكل ما نراه حتى الوقت الحاضر.
ونحن في إكسبو دبي 2020 أمام عالم مصنوع من الفنون المتعددة، التي تحفز الذهن والتفكير، كما جاء في الشعار الذي رفعته هذه الدورة للتفاعل مع هذا الحدث العالمي الأكبر: لوحات، ومنحوتات، ومسرح، وتشكيل، وأوبرا، ومعارض، ابتكارات إنسانية، ومرايا وآفاق وشاشات عملاقة تعرض كل ما وصل إليه العصر من ابتكارات، وكل ما يمكن أن يخطر على البال من فنون لم نرها مجتمعة في مكان واحد كما هي الحال في إكسبو دبي 2020.
إضافة إلى ذلك، فإن البرامج المتعددة المرافقة لإكسبو دبي تجسد التمازج الثقافي بين الإمارات ودول العالم، وهي عبارة عن مجموعة من الفنون البصرية، والتصاميم، والكورال المسرحي، التي من شأنها أن تعكس بمجملها التمازج الثقافي بين الإمارات ودول العالم، سواء في البرامج الفنية أو المجسمات الفنية أو التصاميم، أو حتى العرض الأوبرالي، الذي سيجوب دولا كثيرة.
هناك برنامج الفن البصري، وثم برنامج التصاميم والحرف، والموسيقى في عرض "أوبرا الوصل"، الذي يُبرز الإمارات كمركز ثقافي للمعرفة والإبداع، وريادتها المجالات المعرفية والإبداعية، كما يشمل مجسمات ضخمة، من بينها سبعة أعمال سيكون وجودها دائما حتى بعد انتهاء إكسبو.
وتشمل التصاميم كل المنتجات المتنوعة، سواء الأزياء أو المجوهرات أو ديكورات المنزل وأثاثه، التي تدخل في تفاصيل حياتنا، وجميعها بمشاركة مصممين دوليين قاموا بإنجازها من المواد المتوفرة في الإمارات.
هذه الفنون، سواء كانت إماراتية أو عالمية، فهي التي قادت إكسبو إلى النجاح من خلال قوة جذب الجمهور عبر التفاعل مع الأحاسيس، والحوارات الثقافية الحيّة مع الجمهور بمخاطبة الفئات العمرية على اختلافها، وتجسيد جوهر إكسبو وما يصبو إليه من أهداف تثقيفية وعلمية لجميع الفئات والأعمار.
لذلك يحضر الموروث الثقافي الإماراتي بكل قوة عبر برنامج التصميم والحِرَف، كما يسلّط الضوء على أعمال أكثر من 40 مصممًا محليًا ودوليًا، يسردون قصصًا عن دولة الإمارات، عبر مجموعات تصاميم حصرية برؤية معاصرة مستوحاة من مناظرها الطبيعية، وشعبها، وموروثها، وقيمها، وهويتها، وهو ما يجسد شعار إكسبو دبي 2020 "تواصل العقول وصنع المستقبل"، ويستمر حتى بعد انتهاء إكسبو.
ويأتي في أوجها "8000 موجة.. قصة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ"، الذي يقدم قصصا ساحرة عن تراث الأجداد، الذي يرمز إلى حضارة عمرها 8 آلاف عام من تاريخ الخليج العربي.
إضافة إلى ذلك، يجد الزائر مفاجآت فنية وحياتية يشهدها لأول مرة، منها صاروخ متعدد الاستخدامات، ومزرعة صحراوية تزرع الطعام باستخدام المياه المالحة، ومسارح منبثقة، وعربة فائقة السرعة، حيث يدرك الركاب كيفية السفر في فراغ عالي السرعة.
هذه ليست سوى بعض التجارب، التي يمكن الاستمتاع بها في إكسبو 2020 دبي، لذلك لم يهمل الجمع بين الترفيه والثقافة والعلم والاكتشافات والابتكارات، لأنها تُقدَّم في بوتقة واحدة، وفي مقدمتها العروض المرئية والاستعراضية، التي تشكل قلب إكسبو النابض.
والغناء جزء من إكسبو، حيث يشارك نخبة من النجوم من أمثال نجمة بوليوود، سونام كابور، والفنانة الإماراتية أحلام، وفرقة البولشوي الروسية الشهيرة للباليه، وبرنامج "إكسبو بيتس" للموسيقى الباهرة وغيرها.
ولا يُستثنى عشاق الرياضة من هذا الموعد، فإكسبو يشهد أكبر درس للجوجيتسو البرازيلي في العالم من خلال التعرف على لعبة "تيك بول"، القائمة على كرة القدم، ومقابلة أبطالهم الرياضيين، والاشتراك في العديد من أنشطة اللياقة البدنية والفعاليات الرياضية.
أكثر من ذلك، يسعى إكسبو دبي 2020 إلى إشراك طلبة المدارس والجامعات في دورات تدريبية في الفنون المتنوعة: الأوبرا، والتجميل والماكياج، والأزياء، والموسيقى، والابتكار.
وهذا ما يقدم إضافة جديدة لأول مرة، إذ ما هو معروض ومُقدم لا ينفصل عن هوية الإمارات الأصيلة، ويقدم رؤية عنها.. كل ذلك من أجل أن نتذوق ما وصلت إليه البشرية من ابتكارات وفنون وأدب لكي نتواصل مع العصر، الذي نعيش فيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة