هي قصة واحدة جاءت في ثلاث روايات أو ثلاثة كتب، وجميعها كان على قائمة النيويورك تايمز للأكثر مبيعا.
عمليا تدور أحداثها خلال الفترة من 2015 حتى 2021، وهي الفترة التي كانت الولايات المتحدة تقضي تاريخا بين ثلاثة رؤساء: أوباما وترامب وبايدن.
المؤلف هو الصحفي الأمريكي الأشهر "بوب وودورد"، الذي لمع نجمه وعلا صيته قبل خمسين عاما، عندما قام مع صحفي آخر هو "كارل برنستين" بالكشف عن فضيحة "ووترجيت"، التي جاء عنها كتابهما "كل رجال الرئيس" في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
من وقتها، بات "وودورد" جالسا على المقعد الأول الشاهد على رؤساء أمريكا واحدا تلو الآخر، يحكي عنهم وعن حروبهم وسلامهم، ومَن عمل معهم، وكيف أداروا الدولة الأمريكية صعودا وهبوطا، ومجدا وتراجعا.
هو في العادة يبدأ في دراسة الرئيس بينما يكافح خلال الحملة الانتخابية، مواقفه وتاريخه وماضيه، وعلاقاته العائلية والسياسية، ثم بعد ذلك يبدأ تسجيل فترة الرئيس الأولى، وفي العادة يسعى إلى مقابلة معه، فإذا فشل يكتب الكتاب اعتمادا على مصادر يكوّنها داخل "البيت الأبيض"، وفي العادة أيضا يكتشف الرئيس أنه أخطأ خطأ فادحا لأنه لم يُدْل بدلوه في سيرة حياته فيكون هناك كتاب آخر، يعقبه ربما كتاب ثالث إذا كان الرئيس آسرا في تاريخه وشخصيته.
وهكذا فإن الشخصية الرئيسية في الكتب الثلاثة كانت الرئيس ترامب، الذي مشى طريق "وودورد" بحذافيره، بينما لا يمكن أن تكون هناك شخصيتان متباعدتان ومختلفتان في كل شيء بقدر ما هو عليه الحال بينهما.
والحقيقة أن هناك كراهية كبيرة متبادلة بينهما، ولكنهما في أشد الحاجة إلى بعضهما.. الرئيس من ناحيته لا يطيق كل ما هو ليبرالي، وإذا كان من كتاب "الواشنطن بوست"، فإن عدم الثقة تزيد، فهؤلاء قبل وبعد كل شيء هم الذين ينشرون "الأخبار الكاذبة"، وهم الذين وقفوا في الماضي مع غريمته هيلاري كلينتون، وبعد ذلك مع منافسه جو بايدن، وهم ديمقراطيون بالسليقة، ويؤمنون بأن انتخاب ترامب في 2016 كان خطيئة أمريكية لا ينبغي لها أن تتكرر مرة أخرى.
والصحفي هو الآخر جاء من أرضية معادية، فقد كان بين من أسهموا في إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون، ومن زاويته الفكرية، فإن ترامب "لا يقل سوءا عن نيكسون، ففضائحه الشخصية لا تهم بقدر ما فعله وما يفعله من دمار مع المؤسسات الأمريكية الديمقراطية".
في الكتاب الأول، "الخوف Fear"، كانت قصة ترامب تدور حول شخصية قالت عن نفسها إن بإمكانها قتل شخص في الشارع الخامس من مدينة نيويورك دونما أن يهتم أحد أو يلومه.
وبهذا الاعتقاد فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ثم فاز بالانتخابات الرئاسية على هيلاري كلينتون، وحصل على شعبية كاسحة، بينما يسب المؤسسات الأمريكية جميعها، وكذلك الشخصيات الجمهورية ذات الشعبية، ولا يترك لا الصحافة ولا المؤسسات ذات الحساسية مثل الجيش والمخابرات والعدل دونما سخرية.
كل ذلك في الوقت الذي جرت فيه محاولات إقامة الادعاء عليه في الكونجرس وطرده من "البيت الأبيض"، وبينما توجد شكوك قوية حول قيام روسيا بمعاونته في أثناء الانتخابات من خلال أدوات سيبرانية غيّرت اتجاه الولايات "الحرجة" في الانتخابات.
الكتاب الثاني، "الغضب Rage"، كان فيه ترامب قد استقر في "البيت الأبيض"، وزادت شعبيته بعد أن تحسنت الأحوال الاقتصادية، سواء كان ذلك بسبب سياساته أو أنها كانت الامتداد الطبيعي لنمو الاقتصاد في الفترة الثانية للرئيس أوباما، الذي خرج بالاقتصاد الأمريكي من أزمته الكبرى عام 2008.
ولكن عام 2020 شهد أكبر اختبار حقيقي للرئيس ترامب حينما كان عليه مواجهة وباء كورونا، وكان عليه أن يتعامل مع كل ما يكرهه من علم ومؤسسات بطريقته الإعلامية، بينما البلاء ينخر في حياة الأمريكيين.
النتيجة تحولات كبيرة في شعبية الرئيس احتاج معها إلى الجلوس مع بوب "وودورد"، وهو الذي رفض الجلوس معه في الكتاب الأول لكي يعترف بأنه أخفى عن الشعب الأمريكي تفاصيل الجائحة، ونتائجها التي أخذت بالاقتصاد الأمريكي إلى ركود غير مسبوق.
لم يكن يعرف الرئيس كيف يتعامل معه، وكل ذلك في إطار معركة انتخابية انتهت إلى هزيمة منطقية.
الكتاب الثالث، "الخطر Peril"، شارك فيه مع "وودورد" صحفي آخر هو "روبرت كوستا"، لكي يأخذا من نهاية الكتاب السابق إلى تولي جو بايدن الرئاسة بكل ما حدث في الفترة الانتقالية من أمور، تعرضت فيها الولايات المتحدة لأخطار بالغة تهدد ليس فقط أمنها القومي، وإنما معه مؤسسات الدولة الأمريكية والشعب الأمريكي ذاته.
الرئيس الأمريكي المهزوم الجالس في "البيت الأبيض" في العادة يكون مثل البطة العرجاء لا يفعل الكثير ويترك الأمور للرئيس القادم.
بالنسبة لترامب فإنه لا يلتزم بكل التقاليد، ونقطة البداية لديه أنه لم يخسر الانتخابات، وإنما جرى تزويرها، وبينما كان يفعل ذلك، كان يحاول جذب المؤسسة القضائية للعمل لصالحه، وكانت هناك احتمالات حقيقية بأن يشن حربا في اتجاه الصين لكي يجذب الأنظار بعيدا عن محاولاته لتغيير نتيجة الانتخابات.
هذا الخطر دفع مارك ميللي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية، إلى الاتصال بوزير الدفاع الصيني لكي يقلل من قلقه، ويخبره بأن الجيش الأمريكي لديه من القدرات والقواعد، التي لا تسمح لرئيس بتجاوز غير مقبول.
لم يكن الخطر توريط الدولة الأمريكية في حرب لا يريدها أحد، وإنما أكثر من ذلك، كان الخطر جذب المؤسسة العسكرية في اتجاه إعلان الأحكام العرفية، والضغط على المؤسسات القضائية والانتخابية للإقرار بأن الانتخابات قد زُوّرت.
وعندما فشل كل ذلك، لجأ "ترامب" إلى أسلوب البحث عن ثورة شعبية يوم 6 يناير 2021، وقبل أيام من تولي الرئيس الجديد السلطة، من أجل منع الكونجرس من التصديق على نتيجة الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد.
كانت الديمقراطية الأمريكية في خطر بالغ، وربما كانت الدولة الأمريكية أيضا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة