"العين الإخبارية" تشكك في تقرير "ذا صن" البريطانية حول "انقراض الرجال": العلم بريء من "تهمة الإثارة"
"مخاوف من انقراض الرجال قريبا بعد اكتشاف العلماء أن الفئران المهددة بالانقراض تفتقر إلى كروموسوم Y الذكري".. هكذا عنونت صحيفة ذا صن البريطانية تقريرها عن دراسة نشرت في العدد الأخير من دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس".
كان الجزء الثاني من العنوان الذي وضعته "ذا صن" هو الصحيح، بينما كان الجزء الأول من العنوان هو "خلطة الإثارة" التي تعودت الصحيفة البريطانية على وضعها في وجبتها الصحفية لزيادة أرقام التوزيع لصحيفتها وزيادة أعداد المشاهدات لموقعها الإلكتروني، كما يقول خبراء استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم.
وتتحدث الدراسة- بعيدا عن خلطة الإثارة للصحيفة- عن "كروموسوم Y" الذكري الذي تقلص في فأر جزيرة "أمامي أوشيما"، إحدى جزر "أمامي" في أرخبيلات ساتسونان في اليابان.
ورغم كشف الدراسة أن الفئران المعنية التي لم تعد تعتمد على كروموسوم الذكري القديم لتشفير الخصائص الجنسية الذكرية، طورت واحدة "جديدة تماما" لتحل محلها، لمواجهة خطر الانقراض، ولم تتطرق إلى خطر مماثل ينتظر البشر، لكن تم تحميل التغطية الإعلامية أكثر مما هدفت إليه الدراسة، وخرج العنوان:
MEN AT RISK Fears men could soon be extinct after scientists find endangered rats lack male Y chromosome
وترجمته الحرفية العربية: الرجال في خطر.. مخاوف من احتمال انقراض الرجال قريبًا بعد أن وجد العلماء أن الفئران المهددة بالانقراض تفتقر إلى كروموسوم Y الذكري". وكان هذا العنوان مصدرا لكثير من المواقع والصحف التي سارت على نهج الصحيفة البريطانية.
ويقول د.محمد مسعد أستاذ الأمراض المشتركة بجامعة الفيوم بمصر لـ"العين الإخبارية": "ربما أرادت الصحيفة الاستفادة مما بات معروفا لدى عامة الناس أن التجارب على الفئران عادة ما تكون مقدمة لتطبيق النتائج على البشر، ولكن في كل الأحوال، لا يمكن الاعتماد على النتائج التي تظهر في الفئران، كأمر مسلم به، ليتم نقلها إلى البشر".
ويضيف مسعد: "في كثير من الأحيان، تعطي بعض الأدوية نتائج جيدة على الفئران، وعند نقلها إلى البشر من خلال التجارب السريرية، لا تعمل على الإطلاق، لذلك فإن الأمانة تقتضي أن يوصف الدواء الفعال مع الفئران، بأنه (دواء محتمل)، لأن فعاليته لم تتأكد بعد".
ويتفق بدوي عبدالعاطي، الأستاذ بكلية الطب البيطري جامعة أسيوط بمصر (جنوب) في حديثه مع "العين الإخبارية" مع ما ذهب إليه مسعد، مشيرا إلى أن "بعض الدراسات، مثل الدراسة المرفقة، أجريت على الفئران، ولم يكن لها أي أهداف تتعلق بالبشر، لذلك فإن إقحام البشر عند الحديث عنها غير دقيق على الإطلاق".
معايير جودة العمل الصحفي
من جانبه، يقول الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، إن هذا التناول يعني في "معايير جودة العمل الصحفي"، أن "عنوان القصة لا يتفق مع مضمونها"، لأنها استنندت إلى تقديم افتراض علمي على أنه حقيقة، وهو أحد أنماط الخطأ الذي يكون فيه الافتراض غير مثبت بدلائل.
أضاف "عبدالعزيز"، لـ"العين الإخبارية"، أن المحرر في هذه الحالة اتخذ من نتيجة بحث أجري في بيئة معينة على كائن معين، وهو الفأر، دلالة على أوضاع البشر، دون أن يثبت ذلك بأي سند علمي.
ما سبق، اتفق معه الدكتور عثمان فكري أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، موضحا أن الصحافة بشكل عام باتت تبحث عن طريقة تجذب من خلالها القراء، خاصةً في الوقت الذي تتراجع فيه وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف، التي تواجه مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الأخرى مثل "البودكاست" والتطبيقات الإخبارية وغيرها.
وأشار "فكري"، لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الصحف وبواباتها الإلكترونية باتت تلجأ إلى جذب أكبر عدد من القراء من خلال نشر هذا النوع من الأخبار الساخنة، التي تحقق من خلالها نسبة "ترافيك" عالية، وتتصدر بها "ترند السوشيال ميديا"، التي تدفع القراء إلى تصفح الموقع بأعداد أكبر.
"ذا صن" تفتقد المصداقية
وأشار الدكتور ياسر عبدالعزيز خلال استكمال تصريحاته لـ"العين الإخبارية"، إلى أن وسائل الإعلام الغربية باتت ترتكب أخطاء كبيرة في كثير من الأحيان: "صحيفة (ذا صن) ليست فوق مستوى الشبهات، فهي نموذج للصحافة الصفراء في بريطانيا، وعُرف عنها الكثير من الأخطاء وأنها نقطة ضعف في إمبراطورية رجل الأعمال روبيرت ميردوخ".
واستطرد: "(ذا صن) هي الأكثر توزيعًا في بريطانيا، وأحد أسباب هذا التوزيع هو نمط أدائها التجاري، ومن أسوأ تجلياتها التجارية هو (نشر الصور العارية وأخبار فضائح المشاهير والقفز إلى الافتراضات والاستنتاجات لتحقيق الرواج)".
نقطة الإثارة اتفق عليها أيضا الدكتور عثمان فكري، مؤكدا أن صحيفة "ذا صن" واحدة من الصحف المعروفة بأخبارها المثيرة وغير الصادقة في نفس الوقت، مؤكدا: "هذا ليس بجديد على نهجها وطريقتها في نشر مثل هذه الأخبار".
آداب نقل الأبحاث العلمية
لنشر الدراسات العلمية عبر الوسائل الإعلامية آداب، أوضحها الدكتور ياسر عبدالعزيز لـ"العين الإخبارية": "يجب تقديم نتائج الدراسات العلمية بوصفها نتائج دراسات علمية، لأن ما يحدث هو أخذ نتيجة الدراسة وسحبها على الواقع ككل، مثلًا (إذا أثبتت دراسة معاناة 70 شخصًا من أصل 100 شخص من أزمة ما، على المحرر إعلان أن الدراسة أثبتت معاناة 70 شخصًا من أزمة)، يجب الالتزام بهذا دون التعامل مع النتائج بأنها تعبير على الواقع الكلي".
تابع: "النقطة الثانية يجب ذكر مصدر الدراسة والتوقيت الذي أجريت فيه وطبيعة الباحثين الذين تصدوا لها، والمنهجية المستخدمة فيها، بجانب التعليق على الدراسة من باحث يستطيع أن ينقل اللغة الاختصاصية فيها إلى لغة مفهومة للقارئ العادي، ويستطيع أن يربط نتائجها بالواقع المعيشي".
أكمل "عبدالعزيز": "طبعًا لما سبق لا مفر من تحري الدقة الكاملة عند ذكر نتائج الدراسات الطبية والعلمية، وأن تكون هذه الدراسات تعكس أهمية وتقع في إطار اهتمامات الجمهور المحدد سلفًا للوسيلة الإعلامية".
مسؤولية الصحافة والقارئ
مع لجوء بعض الوسائل الإعلامية إلى تحريف نتائج الدراسات، يقع على القارئ والعاملين في الوسط الصحفي مسؤولية، أوضحها "عبدالعزيز": "القارئ عليه إخضاع نفسه لدورات تدريبية في التربية الإعلامية، وأن يرقّي نفسه ومهاراته في التعرض لوسائل الإعلام".
واستدرك: "الدور سالف الذكر يُعتبر تطوع من القارئ، أما الأدوار الواجبة تكون على منظومة الصحافة والصحفيين، من خلال آليات التنظيم الذاتية، أي المساءلة الآلية، وأطر المحاسبة التنظيمية، في بريطانيا مثلًا هناك لجنة الصحافة ومكتب الاتصالات لتقييم الأداء الصحفي ومحاسبة المسؤولين حال وقوع مثل هذه الأخطاء".