لا يخفى على أحد فى هذا العصر أننا أحوج ما نكون إلى المحافظة على المقاصد الشرعية ومراعاتها وإشاعتها حتى نتمكن من تصحيح صورة الإسلام وأهله
لا يخفى على أحد فى هذا العصر أننا أحوج ما نكون إلى المحافظة على المقاصد الشرعية ومراعاتها وإشاعتها حتى نتمكن من تصحيح صورة الإسلام وأهله ومعالجة المستجدات والنوازل التى تتجدد فى حركة الناس وعلى ساحة المجتمع ويقتضيها الواقع.
وهذه المقاصد التى يجب حفظها تتلخص فى خمسة أمور: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض وتعنى الكرامة الإنسانية، والأموال، وهذه المقاصد ترسم ملامح النظام العام وتمثل حقوق الإنسان، وتكشف عن أهداف الشرع العليا وسمات الحضارة بما يجلب المصالح الحقيقية للخلق عامة، لذا أجمعت كل الملل والعقول السليمة على وجوب المحافظة عليها ومراعاتها فى كل الإجراءات والتشريعات، وفى ذلك يقول الإمام الشاطبي:«وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد فى العاجل والآجل معا».
ولا ريب أن الأفكار المتطرفة وما يستحدثه أصحابها والمستغلون من قِبلهم والمنخدعون فيهم من مناهج ماكرة وأفاعيل خسيسة تَكر على هذه المقاصد الواجب صيانتها بالبطلان؛ وذلك لجهلهم -غفلةً أو عمدًا- بهذا الأصل، فضلا عن فهمهم المغلوط لنصوص الوحى المقدس بمصدريه (القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة) نظريةً وتطبيقًا؛ ومن ثَمَّ اتُخِذَ ذلك تكأة لإلصاق الشائعات والاتهامات الباطلة بهذا الدين الحنيف.
نعم أدى تجاهل هؤلاء لمراعاة المقاصد الشرعيَّة وتنحيتها جانبًا فى بيئتهم الفكرية والعملية إلى الاستهانة بالإسلام وأهله؛ فإنهم أباحوا لأنفسهم وأتباعهم احتقار الحق والخلق، والطعن فى أعراض الناس عامة فضلا عن لمز واغتيال علماء الأمة والتشويش على مؤسساتها الحصينة، بل وينسبون جواز هذا الإفك إلى الشرع مستدلين بالنصوص الواردة فى ذم المنافقين والظالمين والكافرين على ما يفعلونه من الوقيعة فى الأمة وعلمائها ومواطنيها.
وفى استباحة ذلك إهانة لعرض الإنسان، قال تعالى: (ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِى آَدَمَ وحَمَلْناهُمْ فى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70]. كما أن فى سفكهم للدماء المعصومة واستهانتهم للنفوس المصونة من غير حجة ما يناقض صراحة مقصد حفظ النفس الإنسانية مهما كان دينها أو عرقها أو مذهبها؛ فالمهاجم أو الانتحارى الذى يقحم نفسه فى الموت إقحامًا يدخل تحت الوعيد الذى كشف عنه قوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسه بشيء فى الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة»، فضلا عن وقوع الخلاف فى قبول توبته فى الدنيا إن نجا من فعْلته الشنيعة؛ فالمقتول نفس مصونة فى جميع الأحوال يحرم الاعتداء عليها، بل هو قتل عمد عدوانًا وظلمًا يوجب القصاص مع كونه كبيرة ليس بعد الكفر أعظم منها.
وأما مقصد حفظ الأموال فتَكر أفعالهم الشنيعة عليه بالبطلان أيضًا؛ ألم يأتِ الشرع بتحريم تدمير المنشآت والممتلكات العامة والخاصة وإتلاف الأموال حتى ولو كانت مملوكة للمتلف؟ وتزداد الحرمة وتتضاعف إذا كان هذا المال المتلَف ليس مملوكًا للمتلِف وكان مملوكا لغيره، فتتعلق الحرمة بمخالفة نهى الشرع من جهة، وبحقوق المخلوقين من جهة أخرى.
ويضاف إلى ذلك أن هذه الأعمال التخريبية تجر على المسلمين شرقًا وغربًا أضرارًا كبيرة مما يضاد مقصد جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتعطيلها مما هو مدار الشرع؛ فإنها تفتح الأبواب وتمهد الذرائع للتدخل فى شئون بلاد المسلمين الداخلية والتسلط عليها واستغلال خيراتها وانتهاب مواردها بحجة ملاحقة الإرهاب أو المحافظة على المصالح الاقتصادية أو تحرير الشعوب .. إلخ.
هل من وراء ذلك أثارة من علم - فضلا عن دليل - تنبئ أن هذه الأفكار الخادعة والأعمال الخرقاء غير المسئولة التى يقوم بها هؤلاء المغفلون أو المستغفلون ما حقق مصالح الخلق وتطبيق الإسلام شريعة ومنهاجا ومقاصد؟! بل الحق أنهم يعملون لمصلحة أعداء الإسلام وأهله، ويؤكدون اللحظة تلو الأخرى على الصورة المشينة الآثمة التى يراد لها الترويج والإذاعة أن الإسلام زعمًا وإفكًا- «دين همجى دموي»، وهذا ظاهر فى الإثم والعدوان وفيه الصد عن الله وعن دين الله.
*نقلاً عن " الأهرام "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة