"فارم" مصطلح العصر.. هل تسهم الصين في عالم بلا جوع؟
منذ مطلع 2022، تخزن الصين كميات كبيرة من الحبوب حتى باتت، حاليًا، تملك احتياطيات تخزينية أكبر مما يمتلكه العالم كله من القمح والأرز والذرة.
هل تتحوط الصين من الأزمة الروسية الأوكرانية أم تعتزم بكين تعزيز مساعيها الدولية بالتوازي مع جهود الدول المتقدمة لتجاوز تحديات الأمن الغذائي واستشراف عالم بلا جوع؟
قبل أن نتحدث عن الصين ودورها في كبح أزمة الغذاء في العالم، نستعرض مبادرة فارم، ودور فرنسا في مواجهة أزمة الجوع.
وسط المخاوف العالمية من أزمة غذاء واسعة النطاق، تدق فرنسا أبواب القارة الأفريقية عبر مبادرة "فارم" لاستكشاف فرص تعزيز الأمن الغذائي.
خلال الفترة بين 25 و28 يوليو 2022، يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لثلاثة بلدان أفريقية هي الكاميرون وبنين وغينيا بيساو في أول جولة أفريقية يقوم بها منذ إعادة انتخابه في أبريل/نيسان الماضي.
جولة ربما تتمثل أهدافها الاستراتيجية حول الغذاء وتعزيز الاستثمارات في القطاع الزراعي، فهذا الأقرب إلى الواقع في تحول محاصيل الحبوب تحديدًا إلى محور رئيسي اليوم في العلاقات الثنائية بين دول العالم، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا.
يريد ماكرون دفع الانخراط الأوروبي مع أفريقيا خصوصا في مجال تعزيز الإنتاج الزراعي والاستثمار في البنى الزراعية وهو ما تم التركيز عليه في القمة الأوروبية ــ الأفريقية الأخيرة في فبراير الماضي.
ومن المتوقع أن يروج ماكرون للمبادرة المسماة فارم FARM، والتي أطلقتها الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع شركائها في الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع والاتحاد الأفريقي في 24 آذار/مارس 2022.
وتقوم المبادرة على ثلاثة أسس: مساعدة القطاع الزراعي الأفريقي ودفعه إلى الأمام، توفير الشروط الضرورية لإقامة شراكة مفيدة مع أوروبا، وأخيرا تمكين المناطق الأفريقية من «السيادة الغذائية» أي الاكتفاء الذاتي. تشكل الكاميرون «مختبرا» لهذه الرغبة باعتبار أنها بلد زراعي كبير وأول اقتصاد في منطقة وسط أفريقيا، وتتمتع بقطاع خاص متطور.
وترافق ماكرون بعثة زراعية كبيرة وهو يأمل التوصل إلى اتفاق على «خريطة طريق زراعية» مع الكاميرون.
تداعيات مبادرة "فارم" على مخازن الحبوب العالمية.. نموذج الصين
ترمي مبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة إلى تقليص تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الأمن الغذائي العالمي.
ويترتب على هذه الحرب عواقب وخيمة بالفعل في العديد من البلدان المعرضة للخطر تؤثّر في مستويات الأسعار، والإنتاج، والحصول على الحبوب والتزوّد بها، ولا سيّما القمح.
وتُعدّ روسيا وأوكرانيا جهتين فاعلتين بارزتين في إنتاج مواد غذائية أساسية عدّة، مثل الحبوب، وتوفّران نحو 30% من صادرات القمح العالمية. وتفاقم الحرب خطر انعدام الأمن الغذائي وتهدد في إغراق ملايين الأشخاص في أزمة غذائية في البلدان الأكثر عرضة للخطر.
وتستهدف المبادرة تجنّب حدوث "أزمة ثقة" في الأسواق الزراعية، من خلال منع القيود المفروضة على الصادرات وتعزيز شفافية الأسعار والمخزونات الزراعية.
كما تعمل فرنسا على نحو وثيق مع برنامج الأغذية العالمي من أجل وضع آلية التضامن التي من شأنها أن تسهم في التخفيف من حدة التداعيات في حال تفاقمت الأزمة. وستتيح هذه الآلية لبرنامج الأغذية العالمي و/أو البلدان الأكثر عرضة للخطر التزوّد بالمنتجات بأسعار أدنى من أسعار السوق.
ويندرج دعم القطاع الزراعي الأوكراني وتصدير الحبوب الأوكرانية عبر مبادرة "ممرات التضامن" في صلب أولويات مبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة. وتُعدُّ مشاركة المنشآت الخاصة المتخصصة في إنتاج الحبوب والنقل والتجارة في جهود التضامن هذه ضروريةً.
كما تستهدف المبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة عبر تسريع وتيرة الانتقال إلى النُظم الغذائية المستدامة وذات القدرة على الصمود، ولا سيّما في القارة الأفريقية التي تُعدُّ سيادتها الغذائية ضرورية، وذلك بالتنسيق مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
ويقترح كلٌّ من فرنسا وشركائها الأوروبيين مشاريع عملية على الأجل القصير والمتوسط والطويل سيستدعي تنفيذها إشراك جميع الجهات الفاعلة الملتزمة في القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال مبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة وبدعم من المنظمات الدولية الناشطة في مجال الأمن الغذائي والتغذية.
ووفق موقع SPGLBAL، جاءت روسيا في صدارة الدول المصدرة لمحصول القمح في العالم في 2020 -2022 بـ 37.3 مليون طن. وحلت الولايات المتحدة في المركز الثاني بـ 26.1 مليون طن، وبالمقدار نفسه صدرت الجارة الشمالية كندا تأتي في المركز الثالث. وجاءت فرنسا في المركز الرابع بـ 19.8 مليون طن، وفي المركز الخامس حلت أوكرانيا بـ 18.1 مليون طن.
المركز السادس كان من نصيب أستراليا بـ 10.4 ملايين طن، فيما حلت الأرجنتين في المركز السابع بـ 10.2 ملايين طن. واحتلت ألمانيا المركز الثامن في قائمة أكثر المصدرين لمحصول القمح بـ 9.3 ملايين طن، وفي المركز التاسع حلت كازاخستان بـ 5.1 ملايين طن. وكان المركز العاشر لأكبر مصدري القمح من نصيب بولندا بـ4.6 ملايين طن. ولا يزال البحث محمومًا عن الأسواق الأكثر جاهزية لتعويض الإمدادات الروسية الأوكرانية
وعلى مسار تحقيق أهداف المبادرة، أعربت البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي خلال يوليو الجاري، عن استعداد الصين لدعم التعاون مع كافة الأطراف للمساهمة فى العمل من أجل ضمان تحقيق الأمن الغذائى العالمى، وذلك فى ظل التزايد الكبير فى أسعار المنتجات الغذائية من جراء تداعيات أزمة المناخ خلال السنوات الأخيرة وتفاقم الأوضاع نتيجة تفشى وباء فيروس كورونا واستمرار الصراع الروسى/الأوكرانى ، وما ترتب على ذلك من معاناة ملايين الأشخاص من الجوع ، خاصة فى الدول النامية.
وحذر الموقف الصيني فى أعقاب تقرير الأمم المتحدة الصادر مؤخرًا والذى أظهر أن عدد المتضررين من جراء الجوع عبر أنحاء العالم ارتفع إلى 828 مليون جائع خلال عام 2021؛ من أن العالم يسير فى الاتجاه الخطأ فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة الرامية إلى إنهاء الجوع وكافة أشكال سوء التغذية، وتكهن بأن تصل نسبة المعاناة من الجوع إلى ثمانية فى المائة من سكان العالم بحلول عام 2030.
الصين أعادت إلى الأذهان أنه على الرغم من أن الجوع طارد الصين فترة طويلة من تاريخها، إلا أنها اعتبرت الغذاء يمثل الحاجة الأساسية لشعبها الذى يعتبر أساس الدولة، وأن الحكومة الصينية تضع دأئمًا الأمن الغذائى على رأس أولوياتها، وأن الصين استطاعت بعد عشرات السنين من العمل الشاق أن تحقق رقمًا قياسيًا فى إنتاج الحبوب، حيث انتجت 682 مليون طن خلال عام 2021، وهو العام السابع على التوالى الذى يتجاوز فيه إنتاجها من الحبوب 650 مليون طن، مما يجعلها أكبر منتج للحبوب فى العالم وثالث أكبر مصدرى الحبوب عالميًا.
الصين واستراتيجية بناء عالم خال من الجوع
إن حقيقة الأمر هى أن الصين تبذل قصارى جهدها للمساعدة على بناء عالم خال من الجوع، وأن الرئيس الصينى شى جين بينغ جعل الأمن الغذائى أحد مجالات التعاون التى تحظى بالأولوية فى مبادرة التنمية العالمية.
وتعتزم الصين تخصيص المزيد من الموارد للتعاون فى مجال التنمية العالمية والعمل مع كافة الأطراف لتعميق التعاون العالمى للقضاء على الفقر. كما تواصل العمل لتعميق التعاون الدولى بشأن إمداد الغذاء، حيث تقوم بدعم برنامج الغذاء العالمى وتتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) وأقامت مناطق للتعاون الزراعى مع دول نامية وتتبادل الخبرات مع أكثر من 140 دولة ومنطقة، وقامت منذ بداية العام الحالى بتقديم مساعدات غذائية إنسانية طارئة يزيد حجمها على 15 ألف طن إلى دول نامية تحتاج للمساعدة.
وتعمل الصين في الوقت الراهن على إنشاء مشروع حي هايقانغ لقاعدة تخزين الحبوب التابع لمجموعة الصين لتخزين الحبوب في تشينهوانغداو في مقاطعة خبي في شمالي الصين. وتبلغ مساحة المشروع الإجمالية 550 مو (حوالي 36.67 هكتار) وقدرة تخزين مصممة للحبوب تبلغ 810 آلاف طن.
وعززت الصين، أكبرمنتج للحبوب في العالم، الدعم المالي لزراعة القمح، وخصصت حوالي 5 مليارات يوان لتحقيق الاستقرار في إنتاج المحصول الشتوي من القمح، بينما خصصت 10 مليارات يوان كدعم لزراعة الحبوب بشكل عام في مواجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ لتدعيم تدابير الأمن الغذائي في أكبر بلد من حيث عدد السكان.
aXA6IDMuMTIuMzQuMTkyIA== جزيرة ام اند امز