أفلام في مواجهة التمييز الطبقي.. سلاح المهمشين ضد عنصرية الحوثي
قبل 6 أعوام تعرض 3 شبان يمنيين لتنمر عنصري صادم من قبل مليشيا الحوثي كونهم من فئة المهمشين.
وكان ذلك أثناء تواجدهم في مسقط رأسهم بالحديدة، غربي البلاد.
كانت الألفاظ العنصرية عاملا حاسما في إذكاء القلق لدى الشبان الثلاثة من الخط العنصري الذي تنتهجه الجماعة الإرهابية تجاه الأشخاص الذين لا ينتمون لها.
كان شعورا بالصدمة من التمييز الطبقي، يقول حمادة الكشموع لـ"العين الإخبارية"، "كان السلوك الحوثي دافعا لنا في التعبير عن الرفض لذلك السلوك، بعد أعوام من ذوبان تلك المفاهيم التي أعادت مليشيا الحوثي إحياءها من جديد.
فكر الشباب الثلاثة، حمادة الكشموع، حسام حمادي، وناصر صالح، في التعبير عن سخطهم من التمييز الحوثي بحقهم، وبحثوا عن طريقة غير تقليدية تتيح لهم إيصال رسالتهم لعدد أكبر من الناس ، وكانت من بين الطرق المقترحة، إنتاج فيلم قصير يعبر عن معاناة المهمشين من ذلك التمييز، ومدى رفضهم له.
لكن إنتاج فيلم يوجه نقدا إلى مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها يعد مخاطرة غير محسوبة العواقب، إذ يكون الاعتقال مصير كل من يوجه اللوم للانقلابيين، أو يعبر عن رفضه للطريقة التي تتعامل بها المليشيات مع المواطنين في المناطق الخاضعة لها.
ومع ازدياد تلك الممارسات الطائفية، وتوجه المليشيات المدعومة من إيران إلى الزج بذوي البشرة السوداء إلى محارق الموت الحوثية، قرر أولئك الشبان الرحيل إلى إحدى المديريات المحررة كي تكون محطتهم لإنتاج الأفلام كسلاح في وجه العنصرية.
والمهمَّشون هم فئة من اليمنيين من ذوي البشرة السوداء وتتراوح أعدادهم من مليون إلى 3 ملايين نسمة ويتركّزون في الأحياء الفقيرة المحيطة بمدن اليمن الرئيسية.
المخا.. مسرح لإنتاج الفيلم
في مدينة المخا التاريخية على البحر الأحمر والتي حررت من مليشيا الحوثي2017، استقر الشبان الثلاثة، لكن طموحهم بإنتاج الأفلام اصطدم بعدم امتلاكهم المعدات اللازمة كأجهزة التصوير والمونتاج، وقطع الكروما وبدلات التمثيل والتي تحتاج لمبالغ مالية كبيرة.
كما أن هواتفهم الخلوية قديمة لا تنطبق مع الصيغ المحدثة لتنزيل برامج التصوير والمونتاج الحديثة لاستخدامها عوضا عن الأجهزة غالية التكلفة، والتي لا يستطيعون شراءها.
يقول حمادة لـ"العين الإخبارية": "أردنا إيصال صوتنا للعالم، غير أن الفقر الذي نعيشه لم يساعدنا في ذلك كوننا من طبقة المهمشين، وكان ذلك عاملا في التوقف عن إنتاج فيلم يفضح عنصرية الحوثي، مع بروز رغبة في التخلي عن الفكرة تماما".
يضيف: "لكن شيئا ما تغير على نحو غير متوقع، إذ إن زميلا آخر ينتمي لفئة المهمشين، قرر الانضمام إلينا بعد سماعه بفكرة إنتاج الفيلم، ولحسن الحظ كان يمتلك هاتفا محمولا حديثا، ساعد في تنزيل برامج المونتاج والتصوير".
تم إنتاج فيلم "الطبقية"، الذي يتحدث عن مساوئ التمييز على أساس العرق ولون البشرة، والتي بدأت مليشيا الحوثي في إذكائها، بعد أن كان النظام الجمهوري قد أخفى معالمها بشكل كبير وذابت الفوارق الاجتماعية المبنية على لون البشرة بين فئات المجتمع اليمني المختلفة.
يشرح الفيلم معاناة المهمشين من ذلك التمييز ومساوئ مليشيا الحوثي في تعزيز الطبقية التي تضع نفسها في أعلى المراتب الإجتماعية بادعاء أن نسبها يصل إلى سلالة النبي محمد.
يقول حسام حمادي وهو مؤلف السيناريو ومخرج الفيلم الذي يتولى بطولته حمادة الكشموع، فيما يشارك في التمثيل ناصر صالح، حسام علي، فيصل الكشموع، محمد علي حمادي، درمان فرحاني: "كان الفيلم يعبر عن ذواتنا، ويشرح الظلم الذي نتعرض له، كوننا من المهمشين، ممن يعملون في مجال النظافة، وكيف واجهنا العنصرية المقيتة من قبل مليشيا الحوثي إلى حد أنها تركت صدمة عميقة وتأثيرا نفسيا يصعب نسيانه".
ويوضح حسام التعالي الحوثي في التعامل مع فئة المهمشين الذين يعمل غالبيتهم في مجال النظافة قائلا: كنا نعمل بشكل مجاني، ومع ذلك لم يحظ ذلك العمل بتقدير من قبل عناصر مليشيا الحوثي الذين يرون أن كل شخص يجب أن يعمل مع الجماعة الإرهابية دون مقابل، وهو سلوك عنصري مقيت تستمده المليشيات من أفكارها المذهبية المستوردة من إيران".
نجاح ملهم
اسهم النجاح الذي تحقق في إنتاج فيلم الطبقية الذي يستغرق 40 دقيقة، في تشجيع الشباب الثلاثة في إنتاج أفلام أخرى، وخلال أقل من 3 أعوام من فرارهم من الحديدة إلى المخا أنتجوا ما يقارب 5 أفلام، الطبقية -1 الطبقية -2 ، الإهمال والسرقة، جحيم الانتقام، الأمانة والتحدي.
جميع تلك الأفلام التي تنشر على قناة خاصة بهم على اليوتيوب، تناقش قضايا اجتماعية، وسلوكيات سيئة في المجتمع، كما تقدم جانبا من عوامل الحل للمساعدة في التخلص منها .
وبالرغم من النجاح الذي تحقق إلا أن الشباب الثلاثة لاتزال تطاردهم الذكريات السيئة الناتجة عن ألفاظ عناصر مليشيا الحوثي غير اللائقة والمهينة.
ورغم مضي كل تلك السنوات، إلا أن ندوب ذلك التعامل لا تزال عالقة في ذكرياتهم ويصعب نسيانها.
يقول حسام: "لم أتعرض يوما في حياتي للفظ عنصري من أحد، لم أشعر على الإطلاق أنني من المهمشين، كانت كثير من الفوارق الاجتماعية قد بدأت في التلاشي، لكن كلمات عناصر الحوثي أحدثت شرخا في نفسي لم أتمكن من نسيان آلامه حتى الآن".
ويضيف لـ"العين الإخبارية"، خلال الأسابيع التي قضيناها في الجراحي (مسقط رأسه) جنوبي الحديدة: "كنا نعيش طبيعة الأجواء السيئة، وكيف بدأت مليشيا الحوثي في فرز المجتمع من جديد، فضلا عن الترويج للخداع بأنها تسعى إلى دمج المهمشين في المجتمع، وفي الواقع هو برنامج لإبادتهم عبر الدفع بهم إلى جبهات القتال رغما عن إرادتهم".
وختم حديثه: " لا يمكن الاستمرار في ذلك ومن واجبنا قمنا بعمل فيلم يتطرق لمخاطر تغلغل الفكر الطائفي الذي يقسم المجتمع إلى فئات عديدة يتحكم فيها طابع التناحر والكراهية والتمييز العرقي".
aXA6IDMuMTM4LjYxLjg4IA== جزيرة ام اند امز