الفن التشكيلي في اليونان.. عظماء لونوا الحياة بإبداعهم
الفن التشكيلي أحد فروع الفن الذي ازدهر في اليونان وأنتج مبدعوها مجموعة واسعة من اللوحات الجدارية والمنحوتات الحجرية والفخارية.
يعود تاريخ الفن التشكيلي في اليونان إلى العصور الكلاسيكية القديمة إلى ثقافة "مينوا" في الألفية الثالثة قبل الميلاد، عندما بدأ سكان جزيرة كريت تأسيس ثقافة مزدهرة عام 2100 قبل الميلاد متأثرة بالفن السومري وغيره من خيوط فن بلاد ما بين النهرين.
والفن التشكيلي كان أحد فروع الفن الذي ازدهر في اليونان خلال تلك الفترة، إذ بنى سكانها سلسلة من القصور في كنوسوس وفايستوس وأكروتيري، وأنشأوا مجموعة واسعة من اللوحات الجدارية والمنحوتات الحجرية والفخار القديم وغيرها من الأعمال الفنية.
وعلى مر العصور أنتجت أثينا عشرات التحف الفنية التي أبهرت العالم، وإن كانت الأشكال المبكرة للفن اليوناني محصورة إلى حد كبير في الفخار الخزفي، ولم تتوقف عن الإبداع الفني سوى مرة واحدة لمدة 400 عام خلال الفترة التي عرفت باسم "العصور المظلمة اليونانية" (1200-800).
ومن الملاحظ أن جميع الأعمال الفنية الأصلية للعصور اليونانية القديمة ضاعت باستثناء الفخار، وتشمل المنحوتات واللوحات الجدارية واللوحات والفسيفساء والفن الزخرفي، لذا فإن معرفة العالم الحديث بالتسلسل الزمني والتطور ومدى الثقافة البصرية اليونانية سطحية للغاية، والمتاح عن هوية الفنانين اليونانيين وما رسموه أو نحته ومتى فعلوه ضعيفة.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أشهر الفنانين التشكيليين في اليونان على مر العصور، وعلى رأسهم دومنكوس ثيوتكوبولس المعروف باسم "الجريكو".
الجريكو Le Greco
دومنكوس ثيوتكوبولس المعروف بـ"الجريكو" وتعني الإغريقي، مصور ونحات ومعمار من أصل كريتي، ولد في بلاد الإغريق في مدينة كاندي "Candie"، في عام 1541 وتوفي في طليطلة عام 1614.
انتقل إلى البندقية "Venise" في إيطاليا حيث تأثر بفن عصر النهضة هناك، ولا سيما بالجمالية الطبيعية والتلوين المشبع بالضوء، ثم انتقل إلى طليطلة حيث اختير لإنجاز موضوعات تصويرية دينية، أثارت الاهتمام بأسلوبه الخاص المتمثل بالألوان والتشكيلات الجديدة على التصوير الإسباني.
"الجريكو" تأثر بأسلوب تتسيانو "Titien"، خلال فترة إقامته في البندقية (1566ـ 1568)، وبدى ذلك في اللوحة المسماة "البشارة" والمحفوظة حالياً في متحف برادو "Prado" في مدريد.
ومن أكثر أعماله إثارة لوحة "المسيح يطرد الصيارفة من المعبد" الموجودة بالمتحف الوطني في واشنطن، وتتميز هي ولوحة "البشارة" بأنهما مرسومتان على الخشب حسب الطريقة البيزنطية في صنع الأيقونات.
بعد ذلك أقام الرسام اليوناني في روما بين عامي 1570 و1577 يدرس ويتأمل أعمال رافائيللو وميكلانجلو ومصوري عصر النهضة، وخلال تلك الفترة عمل في متحف فارنيزه Farnèse وأنجز لوحته الشهيرة "الأطفال يوقدون الشمعة" ثم "سان سيباستيان" وفيهما بدى تأثره واضحا بأسلوب ميكلانجلو التصويري.
انتقل الجريكو إلى طليطلة في عام 1577، وهناك أنجز لوحة "القديسة ليج" Sainte Ligue بتكليف من ملك إسبانيا فيليب الثاني تكريماً لشقيقه دون جوان Don Juan في النمسا. وأعجب الملك بالعمل فكلفه تصوير "استشهاد القديس موريس" (1580ـ 1582) الموجودة في الإسكوريال.
ومن أشهر لوحات الفنان الشهير "المسيح يخلع ملابسه"، و"المسيح على الصليب المذهب بين اثنين من الواهبين" المحفوظة في متحف اللوفر، و"دفن كونت أورجاز"، فضلا عن مجموعته الضخمة بكنيسة سان خوزيه في طليطلة، ولوحة "الكاردينال نينو دي جيفارا" الموجودة في متحف متروبوليتان.
دي شيريكو Giorgio de Chirico
جورجيو دي شيريكو رسام يوناني إيطالي ولد في مدينة فولوس عام 1888 لأم جينوان وأب صقلية، درس الفن في أثينا بوليتكنيك، وبعد وفاة والده في عام 1905 انتقل إلى ألمانيا ودخل أكاديمية الفنون الجميلة في ميونيخ، حيث درس أعمال كبار الرسامين.
عاد إلى إيطاليا في صيف عام 1909 ثم انتقل إلى فلورنسا حيث رسم أول سلسلة "ساحة البلدة الميتافيزيقية" و"إنيجما من أوراكل" و"لغز بعد الظهر" و"صورة الذات"، وتوالت أعماله.
أسس حركة الفن "الميتافيسيكا" التي أثرت بشكل عميق على السرياليين بعد عام 1919، وأصبح مهتما بتقنيات الرسم التقليدية، وعملت على الطراز الكلاسيكي الجديد أو الباروكي الجديد.
في خريف عام 1919، نشر دي شيريكو مقالا بعنوان "عودة الحرف اليدوية"، دعا فيه إلى العودة إلى الأساليب التقليدية والأيقونات، حيث تبنى أسلوبا كلاسيكيا مستوحى من الرسامين القدماء أمثال رافاييل وسينوريلي أو على الطراز الباروكي الجديد، وأصبح خصما صريحا للفن الحديث.
غالبا ما تتضمن أعماله الأكثر شهرة الأروقة الرومانية والظلال الطويلة والعارضات والقطارات والمنظور غير المنطقي، وتعكس صوره تأثره بفلسفة نيتشه والأساطير التي ولد محاطا بها في مسقط رأسه.
امتد عمره الفنى ثلاثة أرباع القرن، بداية من دراسته الفنية المبكرة في أثينا وتشبعه بالمثيولوجية الإغريقية، ثم ما مثلته روما بالنسبة إليه، إذا كانت مرتعًا لخياله الكلاسيكي.
تأثر العديد من الفنانين الشباب آنذاك برسومات دي شيريكو وأصبحت جوهر مجموعة باريس السريالية، وبعد اتجاهه إلى الأسلوب الباروكي الجديد تعرض لانتقادات شديدة من السرياليين. وفي عام 1978 توفي الفنان الشهير في العاصمة الإيطالية روما.
ثيودوروس راليس Theodorus Ralles
هو رسام يوناني ولد في 1852، اشتهر برسم الأعمال الفنية والصور الشخصية والشخصيات المحلية والموضوعات المعمارية والديكورات الداخلية بالأشكال والحيوانات، وقضى معظم حياته العملية بين فرنسا ومصر.
عمل لفترة قصيرة في مجال الأعمال ثم سافر إلى باريس حيث درس في مدرسة الفنون الجميلة حتى عام 1880 تحت إشراف جان ليون جيروم، الرسام والأستاذ الفرنسي، وتحت قيادة جان جول أنطوان ليكومت دو نو، وكلاهما معروفان بلوحاتهما الاستشراقية، وفي عام 1873 شارك في صالون الرفض.
بعد ذلك سافر على نطاق واسع في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، واستقر لفترة في القاهرة، حيث وجد مصدر إلهامه للتصوف الرومانسي، وكان لديه استوديو بالعاصمة المصرية حيث أمضى أشهر الشتاء من نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1904، وشهدت تلك الفترة تطور نشاطه الفني بشكل بارز بما في ذلك تنظيم معارض فنية سنوية.
اشتهرت أعماله بالاهتمام بالتفاصيل مع اهتمام كبير بالملابس وتعبيرات الوجه، كما تنوعت مصادر الضوء في لوحاته مثل أشعة الضوء والشموع، أو الجمر المتوهج في الموقد بألوان ناعمة.
معرض "راليس"، الأول أقيم في فرنسا عام 1875، ثم شارك في المعارض العالمية بباريس عام 1878، ومن عام 1879 عمل بانتظام بالأكاديمية الملكية في لندن.
أصبح الفنان الشهير عضوًا في جمعية الفنانين الفرنسيين "Société des Artistes Français"، وحصل على الجنسية الفرنسية فيما بعد، كما حصل على تنويه مشرف في عام 1885 وميدالية فضية في عام 1889 عن أعماله الكاملة.
زار اليونان مرارا وتكرارا، وهناك فاز بالميدالية الفضية في معرض أولمبيا لعام 1888 وفي المعرض الدولي بأثينا عام 1903.
حاز "راليس" وسام فارسا في جوقة الشرف عام 1900، وعمل عضوا في لجنة تحكيم مسابقة المعرض العالمي عام 1900، ومنحت جائزة باسمه للمرة الأولى في باريس عام 1910، ثم في اليونان عام 1912 بعد وفاته في عام 1909.