"فينتك" قوة للتحول في القطاع المالي والمصرفي
تعد تقنية "فينتك" ثورة رقمية في قطاع البنوك والتمويل، تشمل التحويلات المالية أو إيداع الشيكات من خلال الهواتف الذكية.
تشكل التكنولوجيا المالية المتطورة "فينتك" آلية مبتكرة لتحسين أنظمة وعمليات قطاع الخدمات المالية والمصرفية المقدمة وميكنتها مثل خدمات الدفع الإلكترونية، وتحويل الأموال بين الأفراد، وتسهيل عمليات الاقتراض أو التمويل أو الادخار. كما تسهم تلك التقنية في تقديم منتجات مبتكرة لدعم المستفيدين من صناعة الخدمات المالية والمصرفية (الشركات وأصحاب الأعمال والأفراد) لإدارة عملياتهم المالية بشكل أفضل، خاصة مع استخدام الإنترنت والهواتف الذكية بشكل متزايد.
ويدمج مصطلح "فينتك" بين مصطلحي "التمويل" و"التكنولوجيا"، حيث أصبح الدمج بين الأدوات المالية والتكنولوجية أمرا ملحا في الوقت الراهن، ما أدى إلى تلاشي الحدود بين شركات التكنولوجيا والشركات المالية.
وقد ظهرت تقنية "فينتك" لأول مرة في الخمسينيات عندما تم طرح بطاقات الائتمان لتخفيف عبء حمل النقود، وبعد الأزمة المالية العالمية في عام 2007، بدأ استخدام المصطلح لوصف الشركات المبتكرة التي تستخدم التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتوفير خدمات مالية تتسم بالكفاءة والفاعلية من حيث التكلفة.
واليوم، أصبحت تقنية "فينتك" ثورة رقمية في قطاع البنوك والتمويل، تشمل التحويلات المالية، أو إيداع الشيكات من خلال الهواتف الذكية، كما تتيح التقنية إمكانية تقديم طلب للحصول على ائتمان، أو الحصول على رأس المال لبدء أعمال تجارية، أو إدارة الاستثمارات إلكترونيا دون اللجوء إلى البنوك والشركات المالية بصورة مباشرة. وتستهدف تلك التقنية عدة فئات من المستخدمين، تشمل المعاملات بين البنوك B2B والمعاملات بين البنوك والعملاء B2C، وبين البنوك والشركات الصغيرة. وتستهدف الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية شرائح معينة من السوق بشكل رئيسي مثل جيل الألفية والشركات الصغيرة غير المقيدة.
ووفقا لمؤشر اعتماد التكنولوجيا المالية Fintech Adoption Index لعام 2019 الصادر عن شركة إرنست ويونغ Ernst & Young، فإن 96% من المستهلكين لديهم الوعي بعملية واحدة على الأقل من خدمات "فينتك" سواء الدفع أو التحويل، كما أن هؤلاء المستهلكين يتعاملون مع التقنية كجزء من حياتهم اليومية.
وجدير بالذكر أنه قد تضاعف اعتماد التقنية المالية "فينتك" بين المستهلكين تقريبا على مدار الـ18 شهرا الماضية، ما يدل على أن مؤشر اعتماد التكنولوجيا المالية ينمو بوتيرة أسرع من المتوقع. على الصعيد العالمي، يستخدم 64٪ من المستهلكين النشطين رقميا تقنية "فينتك" على مستوى 27 سوقا ماليا. وقد قام المؤشر لهذا العام باستطلاع أكثر من 1000 مؤسسة في خمس دول، ووجد أن نحو ربع المؤسسات قد استخدمت واحدة على الأقل من آليات "فينتك" عبر الفئات الأربع التالية: البنوك والمدفوعات، الإدارة المالية، التمويل، والتأمين.
وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفاعاً ملحوظا في معدل إطلاق الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث تضاعف عدد الشركات الناشئة التي انطلقت بين عامي 2013 و2015. ومن المتوقع أن يصل عدد الشركات الناشئة في مجال "فينتك" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نحو 96 شركة خلال عام 2019 و465 شركة بحلول عام 2020. كما أنه من المتوقع أن تقفز الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية من 287 مليون دولار خلال عام 2019 إلى 2.28 مليار دولار بحلول عام 2022.
- فينتك.. آفاق جديدة في القطاع المالي والمصرفي
تمثل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والمصرفية خطراً على مقدمي الخدمات المالية التقليدية لكونها تتيح خدمات ذكية، كما أنها تخدم قطاعا واسعا من خلال تقديم الخدمة بشكل أسرع وبصورة أكثر كفاءة. كما أن تلك التقنية تقدم تلك الخدمات في صورة عروض فردية، فالجمع بين العروض التي تستهدف العملاء بشكل فردي وتطبيق التكنولوجيا المتطورة يمكن الشركات التي تطبق هذه التقنية من التمتع بكفاءة عالية، فضلا عن انخفاض التكلفة المرتبطة بكل معاملة.
كما تتميز تلك الشركات بعدم اتباع اللوائح التنظيمية المشددة التي تحكم المؤسسات المالية التقليدية. فمع تسارع النمو التكنولوجي، تخلفت الأطر التنظيمية وراء التحولات التكنولوجية السريعة نظراً لأن وتيرة الابتكار سريعة للغاية بحيث لا يمكن ملاحقتها بشكل كافٍ من خلال إطار تشريعي. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الشركات العاملة بتلك التقنية بآليات رقمية سهلة الاستخدام وقادرة على تلبية احتياجات العملاء.
وقد انعكست تلك التطورات على المؤسسات المالية التقليدية القائمة في الآونة الأخيرة، حيث قامت بالاستثمار في كيانات تتبع تقنية "فينتك" بالشراكة مع شركات ناشئة تتبع التكنولوجيا المالية المتطورة أو الاستثمار في شركات جديدة أو من خلال الاستحواذ على الشركات التي تطبق تلك التكنولوجيا. كما بدأت بتحويل منتجاتها وخدماتها بما يتماشى مع تلك التكنولوجيا. وتأتي رغبة المؤسسات التقليدية القائمة بالتحول نحو تلك التقنية من أجل الاستفادة من كفاءة الخدمات المتطورة التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية من ناحية وحرصها على عدم فقدان حصتها السوقية أمام المنافسين الجدد في المجال التكنولوجي من ناحية أخرى.
ومن ثمَّ تلعب التكنولوجيا المالية "فينتك" دوراً محورياً في قطاع الخدمات المالية والمصرفية، يتمثل في:
• تحسين آليات جذب العملاء
تمتد خدمات الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية إلى مناطق جغرافية واسعة النطاق، ما يتيح فرصة أمام تلك الشركات لجذب عدد كبير من العملاء. وربما يكون اجتذاب العملاء لتلك الشركات التكنولوجية صعباً في بادئ الأمر، إلا أنها ستحظى بإقبال كبير عندما تبدأ تلك الخدمات التكنولوجية في الانتشار على نطاق أكبر. فهناك شركات تخدم عددا هائلا من العملاء من جميع أنحاء العالم دون وجود مادي لها في العديد من البلدان.
• معالجة أسرع للمعاملات المعقدة
أصبح من الأسهل معالجة المعاملات المالية المعقدة بشكل أسرع وتسوية جميع الحسابات بشكل صحيح، ما ينعكس على زيادة المستوى العام للجودة في هذا القطاع.
• شمول مالي أفضل
تمكن تلك التكنولوجيا الأفراد والشركات من الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار ميسورة تلبي احتياجاتهم، سواء على مستوى المعاملات والمدفوعات والمدخرات والائتمان والتأمين، حيث يتم تقديمها لهم بطريقة تتسم بالمسؤولية والاستدامة.
• خفض تكلفة الخدمات
في كثير من الأحيان، لا تحتاج الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية "فينتك" إلى وجود مادي في المناطق التي تغطي خدماتها، ما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الخدمات المقدمة للعملاء، بالإضافة إلى تقليل الوقت المستغرق في المعاملات مثل طلبات القروض.
• تقديم التحليلات المالية المتقدمة
تتمكن تلك التقنية من تقديم التحليلات المالية المتقدمة، وذلك من خلال توافر مخزون ضخم للبيانات، ما يمكن المؤسسات من إعادة تصميم منتجاتها لتلبية احتياجات العملاء وتفضيلاتهم، والتي تم تجاهلها من قبل المؤسسات المالية التقليدية.
• نقل المعرفة وتحقيق الشفافية
تتيح الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية المعرفة والخبرة المتراكمة للمستثمرين الجدد وكفاءة استخدام رأس المال والموارد، وإدارة الملكية الفكرية والأصول. كما تساعد على تعزيز الشفافية التي من شأنها أن تحسن من ثقافة المؤسسات.
• تحقيق الاستقرار المالي
تحد تلك التقنية من المنافسة بين الشركات التكنولوجية الناشئة والبنوك القائمة، ما يقلل من إمكانية تجزئة القطاع المصرفي، وسوق الخدمات المالية والمصرفية، ومن ثم وتقليل المخاطر التي قد تنتج عن تزايد المنافسة.
وبالنظر إلى التطبيقات الابتكارية المرتبطة بصناعة الخدمات المالية والمصرفية، توفر تقنية "فينتك" عددا من التطبيقات التي تتمثل في:
• العملة المشفرة Cryptocurrency والنقود الرقمية: هي عملة رقمية تعتمد على التشفير لإنشاء وتنظيم العملة وتداولها مثل عملة البيتكوين، ويتم تشغيل معظم العملات المشفرة باستخدام تقنية بلوك شين.
• تقنية بلوك شين Block chain: تكنولوجيا لامركزية يتم من خلالها إجراء المعاملات بين مستخدمي هذه التكنولوجيا بدون أي وسيط، أي لا يوجد مَن يتحكم بالعمليات التي تتم من خلالها.
• العقود الذكية Smart Contracts، التي تستخدم برامج الكمبيوتر (غالبا ما تستخدم Block chain) لتنفيذ العقود بين المشترين والبائعين تلقائيا.
• الخدمات المصرفية المفتوحة Open banking، التي تتيح حق الوصول إلى البيانات المصرفية.
• تكنولوجيا التأمين Insurtech، التي تسعى إلى استخدام التكنولوجيا لتبسيط صناعة التأمين.
• تكنولوجيا الرقابة Regutech، التي تسعى إلى دعم شركات الخدمات المالية لاتباع القواعد التنظيمية، خاصة تلك التي تغطي بروتوكولات مكافحة غسل الأموال والاحتيال.
• الخدمات غير المصرفية Unbanked services، التي تسعى إلى خدمة الأفراد منخفضي الدخل الذين يتم تجاهلهم من قبل البنوك التقليدية أو شركات الخدمات المالية الرئيسية.
• الأمن السيبراني Cyber security، أدى انتشار الجريمة السيبرانية والتخزين اللامركزي للبيانات إلى تزايد استخدام التكنولوجيا المالية والمصرفية.
- الإمارات العربية.. دور ريادي في تقنية "فينتك"
استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تضع نفسها في مصاف الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية المتطورة "فينتك"، وذلك من خلال ريادتها في استخدام هذه التقنية في القطاع العام وخلق هياكل وأنظمة ملائمة للصناعات الجديدة. وجدير بالذكر أن القطاع المالي والمصرفي شهد -على وجه الخصوص- زيادة كبيرة في استخدام تلك التكنولوجيا على مدار العقد الماضي.
وتتصدر الإمارات العربية المتحدة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قائمة الدول التي تضم أكبر عدد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية -وفقا لبلومبرج إنتليجنس- حيث تستحوذ الإمارات على 67 شركة، تليها تركيا بواقع 44 شركة، ثم الأردن ولبنان إذ يضم كل واحد منها 30 شركة. ووفقا لصندوق النقد الدولي، تستحوذ الإمارات على 30% من أنشطة فينتك على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتتمتع الإمارات بكونها وجهة مفضلة للعمليات التكنولوجية نظرا لارتفاع درجة الاتصال بين البيانات لديها، ما يجعلها بيئة خصبة للشركات الناشئة في مجال "فينتك". فوفقا لمؤشر الاتصال العالمي Global Connectivity Index الصادر عن شركة Huawei لعام 2018 تحتل الإمارات المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمرتبة 23 عالمياً. كما يتوافر لديها قاعدة عملاء تتمتع بالذكاء التكنولوجي، ما يجعلها تنفرد بتقديم خدمة استثنائية في جميع الأوقات.
وتحظى الإمارات العربية المتحدة بالعديد من المبادرات العامة والخاصة التي تدعم الابتكار، كما تشتمل على عدد من المراكز الداعمة لتلك التقنية مثل مركز دبي المالي العالمي، بالإضافة إلى خلايا التكنولوجيا المالية Fintech Hive، وسوق أبوظبي العالمي الذي طور بيئة تنظيمية لمساعدة الشركات الناشئة على حل مشكلاتها التنظيمية. ويعتقد الكثيرون أن إمكانات التكنولوجيا المالية لم يتم استغلالها بالكامل في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعليه، أدى نمو صناعة التكنولوجيا المالية في دولة الإمارات، وظهورها على الخريطة الإقليمية والعالمية لتلك التكنولوجيا إلى توفير عديد من الفرص أمام الشركات الناشئة لاقتراح مشاريعها التقنية، وتنفيذ ما يقدمونه من خلال التعاون مع الشركاء والمؤسسات المالية الكبرى في المجال وإنشاء برامج تكنولوجية متطورة بدعم من هؤلاء الفاعلين الأساسيين.
ومن المزمع أن تستضيف أبوظبي "فينتك أبوظبي 2019" في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ومن المنتظر أن يكون حدثاً عالمياً مختصاً بالتكنولوجيا المالية لمناقشة حلول التكنولوجيا المالية وتعزيز مكانة أبوظبي كبوابة إلى قطاع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
aXA6IDMuMTQzLjIxNC4yMjYg
جزيرة ام اند امز