أسماك تنمو في الصحراء.. تجارة تونسية مربحة
عندما خططت كوثر الرجباني لإطلاق مشروعها الخاص الأول في حياتها لتربية الأسماك في الصحراء، كانت أكثر ردود الفعل مشوبة بالدهشة والسخرية
تدرس كوثر في مدينة بنزرت أقصى شمال البلاد في المعهد العالي لتربية الأسماك، ولكن خططها المستقبلية كانت تقوم على إطلاق مشروعها في بداية حياتها المهنية في جهة بني خداش التابعة لولاية مدنين في جنوب البلاد.
تبعد بنزرت عن بني خداش الواقعة في منطقة جبلية على أطراف الصحراء في الجنوب، مسافة لا تقل عن 500 كيلومتر ومع ذلك فإن حلم رجباني هو أن يكون مشروعها في مسقط رأسها.
- تونس على موعد مع إضرابات في 2021.. فرص العمل تشعل الغضب
- صفقة "النفايات" الإيطالية تكشف ملفات فساد في تونس
اختارت الرجباني طريقا مغايرا للسائد؛ فعلى العكس مما خططت له فإن معظم المشاريع الخاصة بتربية الأسماك منتصبة على طول السواحل التونسية، ومن بينها بحيرة بوغرارة في ولاية مدنين نفسها، من بين حوالي 25 مزرعة بحرية منتشرة على طول السواحل.
وهذا المشروع الخاص بإنشاء أحياء (أحواض) مائية في البر، هو الأول من نوعه في مدنين وفي أنحاء البلاد؛ وتدرك كوثر أن هذه الخطوة تمثل تحديا مضاعفا بالنسبة إليها من أجل النجاح.
تقول كوثر رجباني لوكالة الأنباء الألمانية: "يملك أحد أقاربي ضيعة في بني خداش وهذا ما شجعني على إطلاق المشروع لتربية الأسماك في مياه عذبة على البر. أثار المشروع في البداية دهشة الجميع ولكن مع وجود البنية التحتية وإمكانية إنتاج أسماك قادرة على التعايش مع الحرارة فإن الفكرة ليست مستحيلة".
تعتمد تونس بشكل كبير على تربية الأسماك من أجل دعم سوق الاستهلاك المحلية وتعديل الأسعار ودعم الأمن الغذائي الوطني في ظل تراجع ملحوظ لإنتاج الصيد البحري، وهو ما استدعى ضرورة سد فجوة التوريد.
ويعد القطاع واعدا نسبة إلى الأرقام والمؤشرات الرسمية، حيث تشير وزارة الفلاحة التونسية إلى نسبة تطور في الانتاج تعادل 18 بالمئة سنويا بمعدل يقارب 22 ألف طن سنويا.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تساهم المصايد في تونس بحوالي 9 بالمئة من قيمة الزراعة، التي تمثل بدورها 12.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي كما تساهم المصايد بحوالي 1.4 بالمئة من الناتج القومي.
ويعمل أكثر من 1000 شخص مباشرة وبشكل دائم في قطاع الاستزراع المائي.
لكن القطاع يواجه صعوبات ترتبط بالأعلاف المخصصة لمثل هذه الأحواض المائية، وتحدي المحافظة على البيئة بما في ذلك حماية الأعلاف الطبيعية للأسماك البحرية في قاع البحر ومخاطر اهدار الثروة المائية في البر في ظل تناقص الموارد المائية.
وتحذر تقارير إدارة مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، من مساوئ تربية الأحياء المائية وتحديدا من إمكانية انتقال الأمراض من الأسماك المستزرعة إلى الأسماك الطبيعية، إضافة لما يسببه تراكم الطعام المفقود تحت الأقفاص من تأثيرات سلبية على التنوع البيئي المحلي.
لذلك، لم يكن طريق رجباني التي تستعد في نفس الوقت لتحضير رسالة الماجستير في تخصصها، مفروشا بالورود لوضع أفكارها غير المسبوقة في أحواض على الأرض.
وتروي بشأن أكثر العوائق التي اعترضتها في مشوارها المهني قائلة "أكثر الصعوبات هي بيروقراطية وإجراءات الحصول على الرخصة؛ والمشروع بحد ذاته كان مخاطرة لذلك فضلت بأن تكون الانطلاقة بكميات محدودة لا تتجاوز الألف سمكة".
وتضيف رجباني "أقوم بنفسي بصناعة الغذاء الخاص بالأسماك من مكونات طبيعية حتى لا تتضرر الأسماك ولا المستهلك أيضا".
تباع أسماك المياه العذبة في الأغلب في السوق المحلية وبشكل أساسي في أسواق الجملة في المدن الكبيرة، مثل تونس وسوسة وصفاقس، أو في أسواق المدن والقرى الصغيرة القريبة من بحيرات السدود؛ كما يتم بيعها إلى الفنادق والمطاعم السياحية الكبرى.
أما أسعار أسماك المياه العذبة فهي منخفضة إلى حد ما مقارنة بالأسماك البحرية، كما تشير إلى ذلك كوثر حيث يتراوح سعرها في المتوسط ما بين 3و 5 دولارات.
ولا يختلف الأمر كثيرا بشأن التسويق مع صاحبة المشروع الناشئ؛ وتشير كوثر إلى ذلك قائلة "أفضل التعامل أكثر مع المؤسسات والبيع بالجملة، أفضل البيع للمؤسسات الاستشفائية والثكنات وقد وجدت قبولا وترحيبا لمنتجاتي".
وتتابع في حديثها "الآن بدأت الأنباء عن الأسماك بالانتشار شيئا فشيئا مع الحرفاء الخواص.. يأتي الناس مباشرة إلى الضيعة للشراء".
وتخطط باعثة المشروع بالتوسع في السوق الداخلية انطلاقا من ولاية مدنين بمجرد الانتهاء من مناقشة الماجستير بجامعتها والاستقرار بصفة نهائية في مدينة بني خداش. وهي لا تنوي التوقف عند تربية الأسماك فحسب.
وتقول كوثر "أريد التوجه أيضا إلى الاهتمام بانتاج الخضر والغلال باستخدام تقنيات تسمح باستفادة الأسماك وجذور النباتات من المياه نفسها".
وفي بلد تتزايد فيه البطالة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا ترى كوثر أنه من الأهمية بمكان ان يحسن الطالب اختيار مشواره الدراسي، وتضيف قائلة "عليك أن تحدد ما تنوي دراسته لأن عروض العمل لا تنزل من السماء. ستتعب من أجل حلمك وستعترضك الكثير من الصعوبات".
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز