المرونة تدفع النمو العالمي إلى 2.1% في 2023.. لكن البنك الدولي يحذر من مأزق وانتكاسة!
رفع البنك الدولي، الثلاثاء، توقعاته للنمو العالمي لعام 2023 بفضل مرونة أكبر من المتوقع في الاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصادات الكبرى.
لكنه قال إن أسعار الفائدة المرتفعة ستؤدي إلى تراجع أكبر من المتوقع العام المقبل.
وأضاف البنك في أحدث تقرير له عن الآفاق الاقتصادية العالمية أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي من المقرر أن يرتفع 2.1 بالمئة هذا العام.
تباطؤ حاد في 2023
وكشف أحدث إصدار من تقرير "الآفاق الاقتصادية العالمية" للبنك الدولي إن النمو العالمي شهد تباطؤا حادا، وإن مخاطر الضغوط المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تزداد حدة وسط ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
وأفاد التقرير أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي من 3.1 في المائة في 2022 إلى 2.1 في المائة في 2023. وفيما يتعلق باقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بخلاف الصين، توقع التقرير أن يتباطأ معدل النمو فيها إلى 2.9 في المائة هذا العام بعد أن سجلت نموا بنسبة 4.1 في المائة العام الماضي. وتعكس هذه التوقعات انخفاضا واسع النطاق، حيث انخفضت توقعات النمو لنحو 70 في المائة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية وجميع الاقتصادات المتقدمة تقريبا.
وتعليقا على ذلك، قال أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي، "إن أضمن السبل للحد من الفقر ونشر الرخاء هو رفع معدلات التشغيل - وتباطؤ النمو يزيد من صعوبة خلق فرص العمل. ومن المهم أن نضع في اعتبارنا أن توقعات النمو ليست مصيراً محتوماً، فلدينا فرصة لتغيير مجرى الأمور، لكننا جميعاً بحاجة إلى العمل معا لتحقيق ذلك".
أضرار محدودة في الأسواق الصاعدة
وحتى الآن، لم تشهد معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية سوى أضرار محدودة جراء الضغوط المصرفية الأخيرة التي شهدتها الاقتصادات المتقدمة، غير أن أشرعة هذه الاقتصادات تبحر حالياً في مياهٍ خطرة. وفقدَ اقتصاد واحد من بين كل أربعة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية فعلياً إمكانية الوصول إلى أسواق السندات الدولية، وذلك في ظل التشدد المتزايد في شروط الائتمان العالمية. وتعد هذه الضغوط شديدةً بشكل خاص على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تعاني من مواطن ضعف أساسية مثل انخفاض مستوى جدارتها الائتمانية. وتقل توقعات النمو لهذه الاقتصادات لعام 2023 عن نصف ما كانت عليه قبل عام، مما يجعلها شديدة التعرض لصدمات إضافية.
وتعقيبا على التقرير، قال إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي: "إن الاقتصاد العالمي في وضع غير مستقر، وباستثناء شرق وجنوب آسيا، فلا يزال الطريق طويلاً أمامنا للوصول إلى الديناميكية اللازمة للقضاء على الفقر، والتصدي لتغير المناخ، وإعادة بناء رأس المال البشري. ومن المتوقع أن تنمو التجارة في عام 2023 بأقل من ثلث وتيرتها في الأعوام التي سبقت الجائحة. أما بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فتتزايد فيها ضغوط الديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وقد أدت مواطن الضعف في المالية العامة بالفعل إلى دفع العديد من البلدان منخفضة الدخل إلى المديونية الحرجة. وفي الوقت نفسه، فإن الاحتياجات التمويلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تفوق وبمراحل أكثر توقعات الاستثمار الخاص تفاؤلا".
وتشير أحدث التوقعات إلى أن الصدمات المتداخلة المتمثلة في جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية والتباطؤ الحاد في ظل التشدد في الشروط المالية العالمية قد أدت إلى انتكاسة طويلة الأمد لجهود التنمية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وهو أمر قد يستمر في المستقبل المنظور. ولذلك من المتوقع أن يقل النشاط الاقتصادي في هذه الاقتصادات بنهاية 2024 بنحو 5 في المائة عن المستويات المتوقعة قبيل تفشي الجائحة. وفي البلدان منخفضة الدخل - وخاصة البلدان الأشد فقراً - تُعد الأضرار صارخة: ففي أكثر من ثلث هذه البلدان، سيظل نصيب الفرد من الدخل في عام 2024 أقل من مستويات 2019. كما أن هذه الوتيرة الضعيفة في نمو الدخل من شأنها أن توسع رقعة الفقر المدقع في العديد من البلدان منخفضة الدخل.
معاناة الاقتصادات النامية
وفي هذا الصدد، قال إيهان كوسي، نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي: "إن العديد من الاقتصادات النامية تعاني الأمرَّين من أجل التكيف مع ضعف معدلات النمو، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، والمستويات القياسية للديون. ومع ذلك، فإن الأخطار الجديدة - مثل إمكانية اتساع دائرة الآثار غير المباشرة جراء تجدد الضغوط المالية في الاقتصادات المتقدمة - يمكن أن تزيد الأمور سوءًا بالنسبة لها... ويجب على واضعي السياسات في هذه الاقتصادات التحرك على وجه السرعة لمنع انتقال عدوى الأزمات المالية، والحد من مواطن الضعف المحلية على المدى القريب".
وبالنسبة للاقتصادات المتقدمة، توقع التقرير أن يتراجع معدل النمو من 2.6 في المائة في 2022 إلى 0.7 في المائة هذا العام، وأن يظل ضعيفا في عام 2024. وبعد نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.1 في المائة في 2023، من المتوقع أن يتباطأ إلى 0.8 في المائة في 2024، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التأثير المستمر للارتفاع الحاد في أسعار الفائدة خلال السنة ونصف السنة الماضية. وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 0.4 في المائة في 2023 من 3.5 في المائة في 2022، وذلك بسبب التأثير المتأخر لتشديد السياسة النقدية وزيادة أسعار الطاقة.
ويقدم التقرير أيضا تحليلاً لارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وكيف تؤثر في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وكان معظم الارتفاع في العائدات على سندات الخزانة لأجل عامين خلال السنة ونصف السنة الماضية مدفوعا بتوقعات المستثمرين بالسياسة النقدية الأمريكية المتشددة للسيطرة على التضخم. ووفقا للتقرير، فإن هذا النوع المحدد من الزيادات في أسعار الفائدة يرتبط بالآثار المالية السلبية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، ومنها ارتفاع احتمال حدوث الأزمات المالية. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الآثار تبدو أكثر وضوحا في البلدان التي تعاني قدرا أكبر من مواطن الضعف الاقتصادي. وبصفة خاصة، فإن الأسواق عالية المخاطر والجديدة في التعامل، ونعني بها البلدان التي تمتلك أسواقاً مالية أقل تطوراً ولا يتوفر لها سوى إمكانية محدودة للحصول على رأس المال العالمي - تشهد في العادة زيادات أكبر في تكاليف الاستدانة؛ فعلى سبيل المثال، ترتفع هوامش المخاطر السيادية في الأسواق عالية المخاطر أو الجديدة في التعامل بأكثر من ثلاثة أمثال نظيرتها في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى.
علاوة على ذلك، يقدم التقرير تقييماً شاملا للتحديات المتعلقة بسياسات المالية العامة التي تواجه الاقتصادات منخفضة الدخل. وهذه البلدان حالياً في مأزق شديد، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم تدهور أوضاع ماليتها العامة خلال العقد الماضي. ويبلغ متوسط الدين العام حالياً لهذه البلدان نحو 70 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي. كما أن مدفوعات فوائد الديون تلتهم نسبة متزايدة من إيراداتها الحكومية المحدودة. ويكشف التقرير أنا هناك 14 بلدا من البلدان منخفضة الدخل في مديونية حرجة بالفعل، أو أنها معرضة لمخاطر عالية للوقوع في مديونية حرجة، كما أن ضغوط الإنفاق تضاعفت كثيرا في هذه الاقتصادات. ومن المرجح أن تؤدي الصدمات السلبية مثل الظواهر المناخية بالغة الشدة والصراعات إلى معاناة الأسر المنتمية للبلدان منخفضة الدخل من العسر المالي عن أي مكان آخر بسبب ضعف شبكات الأمان الاجتماعي لدى هذه البلدان. وفي المتوسط، تنفق هذه البلدان 3 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي على مواطنيها الأكثر احتياجاً، وهو ما يقل كثيرا عن المتوسط الذي يبلغ 26 في المائة للاقتصادات النامية.