تحيي الولايات المتحدة الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001 للمرة الأولى وهي خارج أفغانستان.
وذلك بعد أن سيطرت حركة "طالبان" على العاصمة الأفغانية على مسمع ومرأى العالم، بما فيه الولايات المتحدة، التي لم تكن تقديرات استخباراتها في محلّها بعد أن توقعت صمود كابول ثلاثة أشهر على الأقل.
اضطرت واشنطن إلى إجلاء رعاياها وطاقمها الدبلوماسي على عجَل دون حتى تلويحة أمل أو اعتذار للشعب الأفغاني، الذي وعدته بالتعددية والديمقراطية قبل 20 سنة.
كان مشهد الفوضى، التي ضربت شوارع كابول ومطارها، أشبه بكابوس لكثير من سكان المدينة، الأفغان والأجانب، ممن لم يصدقوا أن "طالبان" ستتمكن من الاستيلاء على العاصمة بهذه السرعة والسهولة، ففي أقل من عشرة أيام سقطت جميع المدن الكبرى وعواصم المقاطعات، بعدما سبقتها في الشهرين الماضيين معظم المعابر الحدودية الأفغانية مع دول الجوار.
الحديث عمّا جرى في أفغانستان خلال عقدين من الزمان متشعب جداً وطويل، ولكن يكفي أن يستحضر القارئ الأحداث الأخيرة، التي سبقت سيطرة "طالبان" على العاصمة الأفغانية، وأولها الاتفاق الذي تم بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وبين حركة "طالبان"، برعاية ووساطة قطرية في مدينة الدوحة مطلع فبراير 2020، وبعد ذلك إعلان الرئيس "بايدن" بدء الانسحاب التدريجي وخفض الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، ثم لاحقاً أقرّت إدارة "بايدن" تسريع الانسحاب إلى نهاية الشهر الجاري لتترك خلفها فراغاً مهولاً ومنظومة محلية هشة.
هذا الانسحاب يمكن القول إنه كان بطعم الهزيمة، أو هو إخفاق، بعدما بدا أن الجيش الأفغاني لم يقاتل، بل إنه إما استسلم لـ"طالبان" أو هرب من ساحة المعركة، فسقطت البلاد في أقل من شهر.
وعندما نتحدث عن طعم الهزيمة، نعني أن المشروع الأمريكي بتغيير طبيعة أفغانستان لم ينجح طوال عقدين، فقررت واشنطن ترك هذا البلد الآسيوي، الأمر الذي أحدث فراغاً استراتيجياً في وسط القارة ستسعى إلى ملئه الصين وروسيا، أو حتى إيران.
تأتي حركة "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان بإرث لا تستطيع أعتى شركات العلاقات العامة تغييره، ومهما أعطت "طالبان" من ضمانات ووعود، فإن المخاوف تكاد تؤكد أن البلاد ستعود إلى المربع الأول قبل 20 عاماً.
أمريكا اليوم تريد أن تضع كل تركيزها على مواجهة الصين، ولا تريد بؤر استنزاف أخرى لها في العالم، على غرار أفغانستان، ولكن ذلك ليس مبرراً لترك بلد كامل كأفغانستان هكذا على حساب مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة، فتبعات سيطرة "طالبان" على أفغانستان ستكون كبيرة، أقلّها السمعة والثقة في الحليف الأمريكي، وأخطرها تلك المخاوف، المعلنة والخفية، لدى كثيرين من عودة النشاط الإرهابي بالمنطقة من جديد بعد عقدين من جهود دولية مضنية أدت إلى انحساره بشكل ملحوظ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة