بحسب أفلاطون: "حين يتخلص طاغية من أعدائه، حربا أو سلما، يُثير حروبا أخرى أو عداوات جديدة، ليقنع شعبه أنهم في خطر وأنه القائد".
إنه نهج معروف، ومعلوم أساتذته في العالم بأسره.. أولئك الذين جعلوا من "الديمقراطية" سياجاً بين الخنوع والسلطة وأداةً لاختراق شعوب وبلدان العالم، فكان الاختراق سهلاً بوجود رَحَى الحروب الأهلية، التي لم تتوقف يوماً، لتُنتج بدل الخبز جوعى.
هكذا كانت بداية النهاية في أفغانستان، التي منذ ستينيات القرن الماضي، وما قبله، تذوق ويلات الحروب الأهلية والتقسيمات الإثنية، فهي بلد الخليط العِرقي، يتعزز فيها التعصب لدى كل عِرق، بالأخص البشتون، الذين وُلدت منهم "طالبان".
ولعل أهم حرب أهلية بمثابة المأساة في هذا البلد كانت إبان الغزو السوفييتي في الثمانينيات من القرن الماضي، وما حدث على إثره من تأزم بين الفصائل الأفغانية المتحاربة، والتي نجحت في إنهاء الغزو، لكنها لم تنجح بين بعضها.
وهكذا كانت الأطراف المتصارعة، إلا أن كعكة السلطة التي كانوا يتصارعون عليها انقلبت في كابول بعد ظهور حركة "طالبان" عام 1996، وحينها لم تكن فقط الصراعات الداخلية الانقسامية هي الدافع، بل النزعة الشيوعية في البلاد وما صحبها من مظاهر انفتاح اجتماعي، وكان تمركز الثروات في يد فئات محددة من الأغنياء، إلى جانب انتشار العصابات والسرقات وفرض الإتاوات وغيرها، دوافع ظاهرية كافية لتتشبث بها "طالبان" ومحركها حينذاك، الملا عمر.
ووسط فوضى سادت البلاد في حقبة "شاه مسعود" تعلقت آمال البسطاء من الناس بوعود "طالبان"، وهنا كان انخراط الأفغان في نهج "طالبان"، التي سيطرت على أقاليم عدة، خاصة في جنوب غرب وشرق البلاد، مسقط وجودهم قرب الحدود الباكستانية.
يمكن أن يُقسَّم زمن "طالبان" إلى مرحلتين، الأولى مرحلة السقوط الأول بالغزو الأمريكي لأفغانستان على خلفية هجمات "11 سبتمبر" ومجيء حكومة جديدة بتدخّل أمريكي مباشر، وتشتت رؤوس الفصائل ما بين القتل والفقدان والتشريد.
والمرحلة الثانية هي مرحلة عودة "طالبان" اليوم في ظل ظروف دولية لا تشبه الأمس، بوجود "بايدن" وأفكاره المفاجئة وقراراته التي تثير تساؤلات البسطاء قبل الخبراء، وبالأخص قراره بالانسحاب المفاجئ من أفغانستان بعد عشرين عاماً، ليترك الاستفهام ملحقا بالهزيمة.
وما بين المرحلتين لا يمكن أن يُمحى من سجل التاريخ مشهد التزاحم الشعبي حول الطائرة الأمريكية في مطار كابول، ولا التساؤلات عن ماذا بعد لهذا البلد الآسيوي؟ وما السيناريو الأمريكي المقبل؟
لم يسقط جندي أمريكي واحد في هذا المشهد الفوضوي الأخير.. هل كانت مصادفة أم هي سياسة جديدة تتجاوز في تكلفتها العشرين عاما، التي كبدت واشنطن 3 تريليونات دولار؟!
والسؤال الأهم: هل سيكون هناك موطئ قدم لمليشيا إيرانية أو تركية جديدة تترصد بالمنطقة كلها؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة