الجنوب العراقي، الذي كان متهماً لسنوات طوال بموالاته لإيران، أحرق في تظاهرة واحدة كل هذه الصور النمطية التي حاول البعض ترسيخها.
انتفاضة الجنوب العراقي التي انطلقت شرارتها من مدينة البصرة، التي تربطها حدود مع إيران والكويت، وتمتلك أكبر خزين استراتيجي من النفط العراقي، تحمل دلالات عديدة، كشفت حقيقة كانت خافية على الكثير من المتابعين للمشهد العراقي من دول المنطقة والعالم.
فهذه الانتفاضة العارمة التي كان ظاهرها نقص الخدمات وتفشي البطالة وانقطاع الكهرباء على العراقيين، في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة لأرقام قياسية، وضعت العديد من مدن الجنوب العراقي في قائمة أكثر المدن حرارة في العالم. أظهرت حقيقتين مهمتين لم يكن الكثير يتخيلها من المراقبين: الأولى أن الخطوة التي أقدمت عليها الجارة إيران التي تدعي أنها مناصرة للعراق وللمذهب الشيعي خاصة بقطع الكهرباء عن أبناء الجنوب ذات الأغلبية الشيعية، تعد إحدى الأوراق التي أرادت إيران من ورائها خلط الأوراق وإيصال رسائل كثيرة للعراقيين والعالم بالتزامن مع قرار فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
قيام المتظاهرين العراقيين برفع شعار موحد من جنوب العراق حتى العاصمة بغداد "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة" لهو رسالة واضحة للأحزاب الموالية لإيران في الحكومة العراقية، ولإيران نفسها، إن الزمن الذي كنتم تكتمون فيه الأصوات وتنهبون الثروات انتهى إلى غير رجعة
والحقيقة الثانية وهي الأهم، أن العراقيين، وخاصة أبناء الجنوب، تمكنوا من الإعلان جهاراً عن رفضهم للتدخلات الإيرانية في العراق ، ودعم إيران لأحزاب السلطة الفاسدة والمليشيات المسلحة الممولة بالكامل من طهران، وتسلط تلك الأحزاب على رقاب العراقيين بقوة نفوذ المال والسلاح منذ 15 عاماً. وهذا ما كان ليستمر لولا الدعم الإيراني اللامحدود لتلك الأحزاب التي نشأت وترعرعت في قم وطهران، لتكون الأداة الإيرانية في السيطرة على العراق بعد احتلاله عام 2003.
إن قيام المتظاهرين العراقيين برفع شعار موحد من جنوب العراق حتى العاصمة بغداد "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة" لهو رسالة واضحة للأحزاب الموالية لإيران في الحكومة العراقية، ولإيران نفسها، إن الزمن الذي كنتم تكتمون فيه الأصوات وتنهبون الثروات انتهى إلى غير رجعة، وآن الأوان أن تسمعوا صوت الشعب، الذي لن يغفر لكم الخيانة والعمالة ونهب ثروات وقوت المواطنين العراقيين، وتسخيرها لأجل خدمة مصالحكم الحزبية والشخصية وترسيخ حكمكم بالقوة.
إن الجنوب العراقي، الذي كان متهماً لسنوات طوال بموالاته لإيران، أحرق في تظاهرة واحدة كل هذه الصور النمطية التي حاول البعض ترسيخها، من أجل أن يتقبل أهل العراق فكرة الحرص والدعم الإيراني للعراق، بينما تسعى في حقيقة الأمر الذي فرض نفوذها وأتباعها من أجل مصالحها فقط، غير آبهة بكل معاناة العراقيين التي سببتها سياسات الأحزاب الحاكمة.
لذلك فإن الانتفاضة العراقية نجحت وانتصرت قبل أن تنتهي من تحقيق كامل أهدافها، لأنها أنهت أسطورة النفوذ الإيراني في العراق إلى غير رجعة، مثلما أوصلت رسالة لأحزاب السلطة الفاسدة بأن السكوت ضياع الحقوق لن يدوم إلى الأبد، مهما حاولتم تشويه صورة الانتفاضة الشعبية التي أوقد شرارتها شباب العراق الناقم على الطائفية والحزبية الضيقة، بحثاً عن فضاء وطني أوسع، لا مكان فيه للسراق والانتهازيين الذين يقدمون مصلحة إيران على مصلحة وطنهم الجريح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة