القمة العالمية للحكومات.. تحديان يصنعان التطور الحضاري
التهديدات السيبرانية وحرب المعلومات
أكد سيباستيان كورتس، المستشار السابق لجمهورية النمسا، أن العالم يمر بمرحلة مفصلية مهمة من تاريخه يواجه فيها تحديات حقيقية، من أهمها حرب المعلومات المغلوطة والتهديدات السيبرانية التي شلت هجماتها الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى أن هناك حاجة ماسة لتعاون دولي من أجل حماية اقتصادات العالم التي تعرضت لاستنزاف مليارات الدولارات في وقت استثنائي.
وشدد خلال جلسة "بين العالمية والوطنية.. مسارات واستراتيجيات حكومات المستقبل"، التي شهدها اليوم الثاني من القمة العالمية للحكومات 2024، وشاركه فيها البروفيسور جورج باباكونستانتينو، عميد التعليم التنفيذي في "معهد الجامعة الأوروبية"، على أن بروز هذه التحديات ليس أمراً سلبياً، بل على العكس هو أمر يدعو العقل الإنساني إلى التفكير والابتكار، واستحداث الأسس التي تصنع التطور الحضاري.
بيئة مثالية
وأكد المستشار النمساوي السابق أنه رغم أن العالم يمر بعدد من التحديات الكبيرة الناتجة عن التهديدات السيبرانية فإن هناك تطوراً بالتوازي لذلك في أنظمة الحماية والتأمين.
وقال: "هذا هو تاريخ التقدم البشري باختصار.. تحديات طارئة وتعامل إيجابي معها"، مشيراً إلى أن أزمة شيوع المعلومات المغلوطة تعد كذلك من السلبيات، وهو أمر منطقي نظراً للاضطرابات السياسية الراهنة".
ولفت إلى أن الانقسامات السياسية أثرت سلباً في الحياة الاجتماعية، وخلقت فجوات في عمليات التواصل الإنساني، قائلاً: "لكنني أريد أن أسجل هنا أن الإمارات تعد بيئة مثالية للتمازج والانصهار الحضاري بين مختلف الشعوب".
ووصف مستشار النمسا السابق التلاعب في المعلومات بالسلوك السيئ الذي يستغل التقنيات الحديثة لتضليل الوعي الإنساني، موضحاً: "هذه معركة تكنولوجية مشتعلة، سينتصر فيها الأكثر علماً وصدقاً، لكن ككل معركة ستستغرق وقتاً وسيكون لها ضحايا".
- مستشارة حكومة ليتوانيا: التجارة والاستثمارات تزيد قوة علاقاتنا مع الإمارات
- القمة العالمية للحكومات.. هل يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر؟
حجر زاوية
وقال سيباستيان كورتس إن دمج القطاع الخاص والاستفادة منه في مجال الابتكارات التقنية؛ يمثل حجر زاوية لتطوير بيئة الأعمال وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، موضحاً أن هذه من أهم التحديات التي يجب على الدول مواجهتها.
وتطرق المستشار النمساوي السابق إلى الشأن السياسي بالحديث عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قائلًا: "الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة غامضة بعض الشيء، ومن ثم ليس ممكناً التكهن بمساراتها، لكن هناك ملاحظة مهمة؛ وهي أن العالم لم يعد أحادي القطبية بصورة صارمة، كما كان في التسعينات، بل إن هناك قوى ناشئة، وهناك دول طموحة ذات تأثير محوري في السياسة الدولية ومنها دولة الإمارات".
وأضاف: "أغلب ظني أن القرن المقبل سيكون قرناً آسيوياً أفريقياً، نظراً لمؤشرات متعددة؛ منها تبني روح العلم في عديد من دول القارتين"، مشيراً إلى أن نموذج الاتحاد الأوروبي - رغم نجاحه - يواجه تهديدات أمنية، الأمر الذي يستلزم تعاوناً أكبر بين الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد.
ولفت إلى أن تجربة الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون نصب عين أي تكتل يريد إقامة وحدة، على أساس من التعاون الذي ينعكس بالفائدة على الجميع، بغض النظر عن الخلافات ذات الصلة باللغة والعرق والدين.
واقع التنمية وأساليب حمايتها
من جهته، قال البروفيسور جورج باباكونستانتينو عميد التعليم التنفيذي في "معهد الجامعة الأوروبية"، إن النقص في إمدادات الطاقة، نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، يطرح أسئلة مهمة حول واقع التنمية وأساليب حمايتها، مشيراً إلى أن الاقتصاد العالمي بات على درجة غير مسبوقة من التشابك، ومع مواصلة الاضطرابات التي تضرب مناطق عدة في العالم يخسر العالم بأسره من موارده الكثير، وهذا المشهد يستدعي التفكير في آليات السلام الدولي، وسبل ترسيخه بما يحمي البشرية بأسرها.
ولفت باباكونستانتينو إلى أن "جائحة كورونا" كانت كاشفة، حيث كشفت أن العالم لا يزال يفتقر إلى العدالة، قائلاً: "لم يشمل توزيع اللقاحات جميع الدول، بل ذهب إلى القادرين واستثني غير القادرين، رغم أن انتشار الجائحة في بقعة ما من الأرض، كان يهدد الحياة على الأرض بأسرها"، مشيراً إلى أن على الدول أن تأخذ العبرة من هذا الموقف.
وتطرق في حديثه إلى ضرورة تعزيز الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على البيئة في عملية التصنيع، مؤكداً أن "الوعي العالمي بأولوية وحيوية هذا الملف يزداد بوتيرة جيدة جداً، ومن الواضح أن العالم سيتخذ خطوات واسعة نحو تبني مفاهيم التنمية المستدامة".
وقال عميد التعليم التنفيذي في "معهد الجامعة الأوروبية": إن الأخطار البيئية للحروب، مع ما نشهده من آثار الأزمة بين روسيا وأوكرانيا؛ تضعنا أمام مسؤولياتنا الأخلاقية تجاه حياة الأجيال القادمة بعدنا؛ لذلك علينا إيجاد منظومات تشريعية أكثر صلابة وحسماً، لحماية البيئة والحفاظ عليها من الاستنزاف".
وفي نهاية مداخلته تطرق إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، رفعت سقف التعبير، مؤكداً أن هناك وعياً متزايداً لدى الحكومات بأن السيطرة على أفكار الناس بشكل كامل لم يعد أمراً ممكناً، ومن ثم فإن عليها أن تستمع إلى شعوبها وتنظر إلى مطالبهم وتسعى إلى تحقيقها، مؤكداً أن التاريخ يسير نحو المزيد من الحريات السياسية والإبداعية، وهذا تطور حضاري مهم.