فؤاد حداد.. في ذكرى وفاة رائد العامية "ألفين سنة ولسه كلامه جميل"
شاعر العامية فؤاد حداد الاكثر إخلاصا للثقافية الشعبية، بسلاسة كتب عن الفلسة والحياة وتعقيداتها، الراحل الذي ما زالت سيرته نابضة متجددة.
"كنت بحلم وأنا صغير أمسك سيف وأحرر العالم.. فاخترت أكون شاعر" هكذا بعفوية وصدق كان يتعامل فؤاد حداد مع تعقيدات الحياة، يتملك منها بعمق ويعبر عنها بكل سلاسة، عاش مخلصا للشعر وصار مدرسة للعامية ووالد للشعراء، عانى التهميش وغيبته سنوات السجن لكنه لم يغب يوما، فظلت كلماته حية وقصائده ترددها أجيال تعقبها أجيال، تعيد اكتشافه وتحيي ملحمته الشعرية.
"أنا الأديب أبو الأدبا
اسمي بإذن الله خالد
وشعري مفرود الرقبة
زي الألف ورقم واحد"
حياتي يومين وحسك بينهم النسمة.. فؤاد حداد
مع كل مرة تحل فيها ذكراه، يتردد ما قاله ابنه أمين حداد "ميلاد فؤاد حداد 30 أكتوبر 1927، وذكرى وفاته 1 نوفمبر 1985، وكأنه عاش يومين لكن غير فيهم وجه الشعر". شعر العامية قبل فؤاد حداد ليس هو بعده، فصاحب الثقافة والتعليم الفرنسي كان الأكثر انحيازا لعروبته ومصريته.
دراسته وحياته في حي الظاهر
ولد ونشأ فؤاد حداد في حي الظاهر بالقاهرة، والده سليم أمين حداد كان أستاذ الرياضيات المالية في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) الذي قدم إلى مصر من بلدته عبيه بجبل لبنان مع اقتراب الحرب العالمية الأولى، ووالدته سيدة مصرية من أصول شامية تمتلك ثقافة فرنسية.
درس في الفرير، ثم الليسيه فكان يقرأ الشعر والأدب الفرنسي وبدأ ينظم الشعر وهو في الرابعة عشر من عمره، كان يكتبه بالفصحى، حتى التقى صدفة بأحد الزجالين في أثناء زيارته لجده في لبنان، فقرر أن يكون زجالا باللهجة العامية المصرية، فكان يغترف من الثقافة الشعبية ويتبنى أحلامها وحكاياتها ليعبر بكل بساطة عن أعمق الأفكار وأكثرها تعقيدا، حتى صار أبا للعامية ومجددا لها.
الأعمال الكاملة فؤاد حداد
مع نضوجه، اختار أن يكون شيوعيا ينتمى إلى الأفكار الاشتراكية، مهموم بـ "لقمة عيش" الغلابة، يرفض الطبقية رغم أنه ابن عائلة ميسورة الحال، ولكنه يعرف الإنسان فقط، ويحلم بحرية لكل الشعوب، ولذلك كان تشغله أمور السياسة، ومع أول ديوان له عام 1953 أراد فؤاد حداد أن يكون واضحا غير عابئ بالتوابع، فقرر تسميته "افرجوا عن المسجونين السياسين"، لكن دار النشر أقنعته بالعدول عن الاسم ليصبح "أحرار.. وراء القضبان".
"ألفين سنة ويفضل كلامي جميل"
البساطة والأصالة هما السر وراء تفرد حداد
وجاءت دواوينه وقصائده للحرية والشرف والأرض والكرامة وفلسطين بالطبع، وكانت كلماته فلسفية يحسبها المطلع للمرة الأولى بسيطة وعادية، ولكنها تحفر في الذكرى وتنبش عن مكمن الوجيعة دون أن تسبب جرحا، فهو من قال:
"بكيت مسحت دموعي
بمسح دموعي بكيت
املوا علينا البيت"
33 ديوانًا شعريًا وأكثر
وكتب حداد ما يقرب من 33 ديوانا شعريا، صدر أكثر من نصفهم بعد وفاته بعد أن قام ابنه أمين حداد بتجميع قصائده، ومن أهم أعماله:
- ديوان المسحراتي
الذي كتبه ليغنيه سيد مكاوي، بعد أن قدمه صلاح جاهين بإصرار، محبا للشاعر الذي يأتي بصور شعرية لم يسبقه أحد إليها، وتم عرض القصائد في برنامج تلفزيوني على مدار 30 حلقة برمضان.
ديوان من نور الخيال وصنع الأجيال.. فؤاد ومكاوي
الذي تحول إلى حلقات إذاعية يقدمها سيد مكاوي أيضا، تتناول تاريخ مصر وحضارتها الشعبية.
- أيام العجب والموت.
- مصر المصرية بتغن.ي
- ميت بوتيك.
- الحضرة الزكية.
- ريان يا فجل.
- رقص ومغنى.
- استشهاد جمال عبد الناصر.
- ديوان الأراجوز.
حداد مترجمًا للشعر الفرنسي
غير أنه قام بترجمة عدد من الدواوين الفرنسية، منها:
- لا مذكرات لأندريه مالرو.
- مختارات من شعر بول إيلوار.
- عيون إلزا للويس أراجون.
فؤاد في المعتقل
ولم يمر الكثير حتى لحق حداد بمَنْ دافع عنهم، وفي عام 1953 تم اعتقاله لاعتناقه الفكر الشيوعي، وظلّ مرافقا لزملاء الرحلة وأعلام الفكر والثقافة حتى عام 1956، ولا يمر سوى 3 سنوات حتى يتم اعتقاله مرة ثانية في عام 1959 حتى 1964، لينتقص من عمره 8 سنوات سجين فكرة آمن بها.
"أنا في اختراع الأمل صاحب عشر براءات"
مثل النور في عتمة الظلام، والبهجة بعد سنوات المعاناة، كان فؤاد حداد يحرص كل ليلة في سجنه أن يأتي بقصيدة جديدة، يرفه بها عن المسجونين ويخفف آلامهم، يحكي لابنه عن ما قاله عنه أحد عساكر السجن "قال أنا لو من الحكومة هطلعطكم كلكم وأخلي الراجل ده محبوس، أنتم مش في سجن لأنه معاكم"، معتبرا إياه أفضل مدح تلقاه.
قصائده.. أجمل ما قال فؤاد حداد
كل ما نطق به فؤاد حداد كان جميلا وبديعا، لم ينل ما يستحق في حياته، فمر بسنوات اكتئاب ابتعد فيها عن الشعر، ثم آلام الإصابة بجلطة في القلب، ورغم أمله الدائم، كسرته حرب لبنان 1982 وآلمته رؤية القوات الإسرائيلية تجتاح أرضا عربية أخرى، ورحل دون أن يحظى بالاهتمام والتقدير والفهم الحقيقي لشعره.
"الأولة والأصل والمبدأ
أنا كنت صادق والشهيد أصدق"
عاشت من بعده أجيال أخرى، وتعلم من قصائده شعراء لم يقابلهم ولدوا بعد رحيله بسنوات منهم، حفيده أحمد حداد والشاعر مصطفى إبراهيم، الذي لم يفهم كلماته أول الأمر، لكنه انغمس في وصفه واعتبرها معلما فور أن ارتوى من أعماله متجردا من معرفته عن العامية.
"خلي صوتنا بعد موتنا مليحaXA6IDE4LjE5MC4yMTkuMTc4IA== جزيرة ام اند امز
مش عمل باطل وقبض الريح
مش كلامنا اللي هيبقى تراب"