منازلة كبرى بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الأحد المقبل.
وهي الجولة الثانية بينهما بعد انتخابات عام 2017، التي ألحق فيها ماكرون هزيمة بلوبان، ومع أن ماكرون تصدَّر قائمة المرشحين في الجولة الأولى، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى فارق ضيئل بينهما، قُدِّر في أحسن الحالات بنحو خمسة بالمائة فقط، وهو ما يجعل من هذه الانتخابات معركة سياسية فاصلة في تاريخ الجمهورية الفرنسية، خاصة إذا نجحت لوبان في انتزاع قصر الإليزيه من ماكرون، وحرمته من ولاية ثانية.
بين ماكرون ولوبان، ساحات وقضايا وإشكاليات وتقاطعات كثيرة، يعمل كل طرف عليها من أجل الفوز، ولعل من أهم هذه الساحات أصوات المسلمين، التي تُقدَّر بنحو خمسة ملايين ناخب، وقضايا اللاجئين والهجرة، التي باتت مادة جدل دائمة في الانتخابات الفرنسية، والأوروبية عموما، وكذلك أصوات اليسار، الذي كان يمكن أن يصل إلى الإليزية بقيادة ملينشون، لولا الانقسام والتشرذم في صفوف قوى اليسار، التي ذهبت إلى الجولة الأولى بمرشحين عدة، بدلا من مرشح واحد.
وأمام الفارق القليل بين ماكرون ولوبان في استطلاعات الرأي، حرص الأول على إعطاء دفعة قوية لحملته الانتخابية في الجولة الثانية، وذلك من خلال تكثيفها، والاشتباك مع لوبان بخصوص القضايا الإشكالية، وعليه أعلن رفضه لمطالبة لوبان بحظر الحجاب، رغم شعاراته حول "الانفصالية الإسلامية"، التي أثارت جدلا وردودا كبيرة في فرنسا والخارج خلال الفترة الماضية، كما دعا إلى تقنين الأعباء المتعلقة بقضايا اللاجئين والهجرة، في وقت تتخذ لوبان مواقف متطرفة بهذا الخصوص، حيث لم تتأخر عن إشهار أوراقها في وجه ماكرون، متسلحة بخبرة سياسية تعود إلى عهد والدها الراحل، وبكتلة يمينية متماسكة إلى حد كبير، لكن أكثر أوراقها قوة في وجه ماكرون، تجسّدت في مخاطبتها الفرنسيين عبر التركيز على تدني القدرة الشرائية، والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والمواد الغذائية على وقع الأزمة الروسية-الأوكرانية، وذلك في تحميل ماكرون المسؤولية غير المباشرة عما سبق، بل إن لوبان ذهبت بعيدا في طرحها لخطاب جديد، عندما قالت إن قضية الحجاب لم تعد أولوية في استراتيجيتها، وتأكيد أنها ستكون رئيسة لكل الفرنسيين عندما تصل إلى الإليزيه، في إشارة إلى أنها مستعدة للخروج من التخندق الحزبي والتطرف اليميني، ومستعدة للانفتاح على الجميع إذا فازت في هذه الانتخابات، ولعل هذا ما يشكل أبرز ملامح الاستراتيجية الجديدة للوبان في مواجهة ماكرون.
الثابت أن هذه الانتخابات صعبة، وغير محسومة، ولا يستطيع أحد معرفة نتائجها قبل فرز كامل الأصوات، فمقابل ترجيح كثيرين فوز ماكرون لأسباب كثيرة، أهمها، قيادته فرنسا إلى مواقع متقدمة في القطار الأوروبي، وكره الفرنسيين والعالم لسياسات اليمين المتطرف، لكن ثمة معطيات قد تصب في صالح لوبان، لعل أهمها، الأصوات التي حصل عليها رمز اليمين المتشدد، رئيس حزب الاسترداد، إريك زمور، الذي دعا للتصويت للوبان، وكذلك أصوات اليميني التقليدي بزعامة نيكولا دبيون إينان، رئيس حزب "انهضي فرنسا"، الذي دعا هو الآخر للتصويت لها، ومع أن ميلنشون دعا إلى عدم التصويت للوبان، فإنه لم يدعُ إلى التصويت لماكرون، وهو ما يجعل أصوات اليسار مشتتة ومترددة، إذ تشكل هذه الأصوات ساحة معركة حقيقية بين ماكرون ولوبان، وربما قاتلة لماكرون إذا قاطعت أوساط اليسار الجولة الثانية، كما تشير العديد من التقارير، فيما يبقى أمام ماكرون أصوات المسلمين كأفضل ساحة له في ظل الشعارات العدائية لليمين المتطرف ضد الجالية الإسلامية واللاجئين والتشدد في قضايا الهجرة.
من الواضح، أن لوبان متمسكة بحلمها في الوصول إلى قصر الإليزيه، وإحداث أكبر خرق في تاريخ الجمهورية الفرنسية عبر طرح نفسها "الأكثر قدرة على التعامل مع مشكلات الداخل الفرنسي"، لكن أيديولوجيتها المغذية للتطرف تبقى مثل السم القاتل لحلمها هذا، وبالتأكيد سيعمل ماكرون على استغلال كل ذلك، وتخويف الفرنسسين من مخاطر هذه الأيديولوجيا على الهوية العلمانية للجمهورية الفرنسية، من أجل الفوز بولاية ثانية في قصر الإليزيه.
يبدو أن فرنسا تحبس أنفاسها، في انتظار معرفة مَن سيقودها في الولاية الرئاسية الجديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة