فرنسا تمهد قانونيا لـ«المساعدة على الموت»: مرض عضال وموافقة طبية شرطان أساسيان

البرلمان الفرنسي يقترب من إقرار قانون المساعدة على الموت، بشروط صارمة تشمل الأمراض غير القابلة للشفاء، وحق اللجوء إلى القضاء عند غياب الرعاية التلطيفية.
ينتظر الفرنسيون، مساء الثلاثاء، التصويت في مجلس النواب الفرنسي على مشروع قانون "المساعدة على الموت"، الذي طال انتظاره وتضمّن معايير صارمة للغاية، من بينها أن يكون المريض يعاني من "ألم مستعصٍ على العلاج أو غير محتمل". كما سيُصبح من حق المرضى الذين لا يحصلون على رعاية تلطيفية أن يلجؤوا إلى القضاء.
هذا القانون، الذي وعد به الرئيس إيمانويل ماكرون في أبريل/ نيسان 2023، قبل أن يتم تجميده فجأة بسبب حل الجمعية الوطنية في الصيف الماضي، سيُطرح أخيرًا للتصويت هذا الثلاثاء بعد الظهر في الجمعية الوطنية، بحسب ما أفادت به محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية.
النص، الذي يدافع عنه النائب عن حزب "موديم"، أوليفييه فالورني، يحدد بدقة شروط "الانتحار بمساعدة طبية"، والذي يُعرّف بأنه "السماح ومرافقة الشخص الذي يطلب ذلك لتناول مادة قاتلة، ضمن شروط وإجراءات محددة مسبقًا".
مرض "يهدد الحياة"
كانت النقاشات داخل البرلمان حادة لتحديد من له الحق في الاستفادة من هذا الإجراء. وتشمل الشروط الأولى: أن يكون عمر الشخص 18 عامًا على الأقل، وأن يكون فرنسي الجنسية أو مقيمًا بصفة قانونية ومستمرة في فرنسا.
كما يُشترط أن يعاني المريض من "مرض خطير وغير قابل للشفاء، أياً كانت أسبابه، يهدد الحياة، وفي مرحلة متقدمة، يتميز بدخول لا رجعة فيه في تدهور صحي يؤثر على جودة حياة المريض، أو في مرحلة نهاية الحياة".
الهدف من هذه الشروط هو ضمان عدم استفادة المرضى الذين لا يزال بإمكانهم العيش لعدة سنوات بجودة حياة مقبولة من هذا القانون.
"معاناة جسدية أو نفسية دائمة"
يُشترط أيضًا أن يكون المريض يعاني من "معاناة جسدية أو نفسية مستمرة مرتبطة بالمرض"، وأن تكون هذه المعاناة "إما غير مستجيبة للعلاج، أو لا تُحتمل بالنسبة للمريض الذي قرر رفض أو إيقاف العلاج".
الشرط الأخير هو أن يكون الشخص "قادرًا على التعبير عن إرادته بشكل حر ومدرك"، مما يعني أن الشخص في غيبوبة، على سبيل المثال، لن يكون مؤهلًا للاستفادة من المساعدة على الموت.
"حقن ذاتي" لمادة قاتلة
إذا استوفى المريض جميع هذه الشروط، يمكنه تقديم طلب رسمي للحصول على المساعدة على الموت. وسيتم بعد ذلك تقييم الطلب من قِبل لجنة تضم "طبيبين على الأقل وأحد مقدّمي الرعاية"، ويُتخذ القرار بعد اجتماع حضوري أو عبر الفيديو.
في حال الموافقة، سيكون أمام المريض مهلة إلزامية مدتها يومان لتأكيد رغبته. وفي يوم التنفيذ، سيقوم المريض نفسه بتناول المادة القاتلة، التي غالبًا ما تُعطى على شكل مشروب. ويجب أن يتم هذا الإجراء في مؤسسة صحية، وليس في منزل المريض.
إذا لم يكن المريض قادرًا على تناولها بنفسه، يمكن لمقدم رعاية صحية القيام بذلك نيابةً عنه. ومع ذلك، لا يُلزم أي مهني صحي بالمشاركة في الإجراءات المرتبطة بالمساعدة على الموت، سواء في اتخاذ القرار أو في الحقن، بفضل "بند الضمير".
جريمة "عرقلة" المساعدة على الموت
سيتم أيضًا إنشاء لجنة رقابة وتقييم تحتفظ بسجل للمهنيين الصحيين الذين يطبقون المساعدة على الموت، وستكون مكلفة بإبلاغ القضاء عن أي انتهاك للأخلاقيات المهنية.
وقد أنشأ النواب جريمة جديدة تُعرف باسم "عرقلة المساعدة على الموت"، والتي تُعاقب "أي فعل يهدف إلى منع أو محاولة منع" مريض من "القيام أو الاستعلام" عن هذا الحق. وعلى غرار جريمة عرقلة الحق في الإجهاض، يعاقب هذا الفعل بالسجن لمدة سنتين وغرامة قدرها 30 ألف يورو.
الرعاية التلطيفية: حق قانوني جديد
إلى جانب ذلك، سيتم التصويت أيضًا على مشروع قانون أقل تغطية إعلامية، يتعلق بتطوير الرعاية التلطيفية، ويهدف إلى "ضمان المساواة في الوصول إلى المرافقة والرعاية التلطيفية".
حاليًا، لا يستطيع نحو 48% من المرضى الذين يحتاجون إلى هذا النوع من الرعاية الحصول عليه، بسبب نقص الفرق الطبية المتخصصة في العديد من المقاطعات، حيث لا توجد وحدة رعاية تلطيفية في نحو 20 منها.
ينشئ هذا النص بالتالي "حقًا قانونيًا" في الحصول على الرعاية التلطيفية، مشددًا على أن "الوكالات الصحية الإقليمية مسؤولة عن ضمان فعالية هذا الحق". وفي حال عدم حصول المرضى على هذه الرعاية رغم حاجتهم إليها، سيكون بإمكانهم رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية.
كما يقترح النص إنشاء فئة جديدة من المؤسسات تُعرف باسم "بيوت المرافقة والرعاية التلطيفية"، مخصصة للمرضى الذين "لا يحتاجون بعد إلى التكنولوجيا الطبية العالية في المستشفى، لكنهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم"، بحسب ما أوضحت وزيرة الصحة، كاترين فوتران.
نقاشات واسعة داخل البرلمان
وفي حديث له صباح اليوم لقناة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية، أعاد السياسي فرانسوا بايرو التعبير عن تحفّظه بشأن مشروع القانون. وقال: "لو كنت نائبًا لما صوّتُ لصالح النص"، مضيفًا: "أعتقد أنني كنت سأتخذ موقف الامتناع عن التصويت، نعم". كما دعا مجلس الشيوخ إلى تحمل مسؤوليته، معربًا عن "ثقته" بالغرفة العليا.
سيُحال مشروعا القانونين بشأن المساعدة على الموت والرعاية التلطيفية إلى مجلس الشيوخ، الذي سيناقشهما في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ومن المتوقع أن تشهد هذه المؤسسة، المعروفة بمواقفها الاجتماعية المحافظة، نقاشات واسعة بشأن الموضوع.
وقد أعلن الرئيس ماكرون، في منتصف مايو/ أيار، أنه لا يستبعد اللجوء إلى استفتاء شعبي بشأن نهاية الحياة، في حال تعطّل المشروع داخل البرلمان.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIxIA== جزيرة ام اند امز