تركيا أردوغان بأطماعها التوسعية تريد الرقص على الحبال المشدودة بين واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبي لتحقيق التمدد في المنطقة
التوتر الحالي بين باريس وأنقرة هو امتداد لتجاذب بدأ في العام الماضي حول المسألة الكردية وأزمة اللاجئين، والدور التركي المستجد في سوريا، ثم أصبح أكثر حدّة بعد تورط نظام أردوغان في ليبيا، وعمليات التنقيب التي يقوم بها شرق المتوسط. فرنسا لها مصالح واضحة في ليبيا في ثلاثة ملفات رئيسية، وهي الهجرات والإرهاب والنفط، ولاتريد رؤية يد إردوغان تهيمن على ليبيا. وبالمقابل، لا تريد أن يتحول هذا البلد إلى قاعدة روسية في مياه المتوسط.
أما تركيا أردوغان بأطماعها التوسعية تريد الرقص على الحبال المشدودة بين واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبي لتحقيق التمدد الذي تطمح إليه في المنطقة. ولذلك سارعت لعقد اتفاق مع حكومة السراج، ورمت بكل ثقلها السياسي والعسكري نحو ليبيا وهدفها تحقيق النفوذ والاستئثار بالثروات وإعادة استنساخ الوضع السوري حيث يصبح لكل طرف منطقة نفوذ وقوات تحميها.
في حين يبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ حتى الآن موقفاً واضحاً حيال التوتر بين فرنسا وتركيا، وذلك يؤكد تراجع تأثيره في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط وشمال أفريقيا. اليوم أردوغان يواصل إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، ويهدّد بالتنقيب عن النفط والغاز داخل الحدود البحرية لدولتين أوروبيتين هما قبرص واليونان من دون أن يقيم وزنا أو اعتبارا لأحد.
تركيا أردوغان بأطماعها التوسعية تريد الرقص على الحبال المشدودة بين واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبي لتحقيق التمدد الذي تطمح إليه في المنطقة.
كلّ ذلك بسبب عدم وجود قرار أوروبي موحد حيث أنّ ألمانيا والنمسا تراعيان العلاقة مع تركيا لجملة من الأسباب التاريخية والآنية، وأيضاً لتباين مواقف دول أعضاء حلف شمال الأطلسي تجاه التدخل التركي في ليبيا، إذ تنظر لندن وواشنطن وقيادة الحلف إلى أن تدخل أنقرة في ليبيا على أنه ثقل موازن لتدخل موسكو، بينما تعترض عليه فرنسا وتعتبر أن المزيد من الدور التركي في ليبيا لا يعني تحجيم الدور الروسي.
فرنسا، التي قادت التحالف الدولي لإسقاط نظام معمر القذافي، عازمة على وقف العبث التركي في ليبيا، وتراهن على الاتحاد الأوروبي لدعم موقفها تجاه ليبيا حيث طلبت باريس من بروكسل إجراء مناقشة شاملة وبلا حدود بشأن العلاقات مع تركيا بعد أن أصبح النفوذ التركي يشكل تهديداً استراتيجياً للمصالح الفرنسية والأوروبية على السواء.
وفي حال نجحت أنقرة في مشاريعها، فإنها ستجذر حضورها في ليبيا، وستجعل منها منصة للتمدد باتجاه بلدان أخرى تشكل، تقليدياً، مناطق نفوذ فرنسية.
وعندما تقول باريس إنها "لن تسمح" بتنامي النفوذ التركي في ليبيا، فإن السؤال الذي يُطرح هنا هو: ما الأدوات والوسائل والخطط التي ستفعلها فرنسا لهذا الغرض؟
الحقيقة لا أحد يفكر بالعمل العسكري المباشر، أو يدفع نحو مواجهة فرنسية - تركية.
لكن ما هو متاح أن تعمد باريس التي كانت أحد الداعمين للمشير خليفة حفتر إلى زيادة انخراطها إلى جانبه، مع الأطراف الإقليمية الداعمة له. والحال أن السياسة الفرنسية - الأوروبية الرسمية تدعو إلى وقف النار، وانسحاب القوات الأجنبية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، والوصول إلى حل سياسي؛ وزيادة انغماسها العسكري لا يصب في هذا الاتجاه، إلا أن البيانات شيء والواقع قد يكون شيئاً آخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة