قطر في فرنسا.. تفاصيل الصفقات القذرة للتأثير على الإليزيه
وسائل إعلام فرنسية تكشف عن تورط الدوحة في صفقات قذرة مستندة على وثائق وشهادات وكتب أجراها صحفيون استقصائيون.
كشفت وسائل إعلام فرنسية، مستندة على وثائق وشهادات وكتب أجراها صحفيون استقصائيون، عن تورط الدوحة في صفقات قذرة، بتقديم الرشاوى للسياسيين الفرسيين، فضلا عن اتباع قطر حيلا غير شريفة لتقويض المنافسة الاقتصادية للدول الأخرى في فرنسا لصالحها بطرق غير شرعية.
وذكرت صحيفة "لاتربيين" الفرنسية، في تقرير لها، أن قطر، هذه البلدة الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط، اتبعت سياسة القوة الناعمة خلال العقدين الماضيين لإضفاء قيمة لكيانها الضعيف، وبدأت اختراق أوروبا عن طريق قناة الجزيرة في المملكة المتحدة في التسعينيات، بوضع استراتيجية إعلامية تستهدف البلدان الناطقة بالإنجليزية، ثم في القرن الحادي والعشرين، تحولت إلى فرنسا والبلاد الفرانكفونية الإفريقية.
وتحت عنوان "القوة الناعمة القطرية في فرنسا إلى أين؟"، أشار المحلل الاقتصادي الفرنسي، برنو العمر، الباحث بمعهد الدفاع الوطني للدراسات العليا، أن التأثير القطري على السياسة الفرنسية بات مبالغا فيه، حتى أصبح موضع جدل في الانتخابات الرئاسية، موضحاً أنه " على المستوى الاقتصادي، فإن الدوحة غيرت استراتيجيتها لبسط نفوذها في الدول الفرانكفونية، بانتهاج أسلوب آخر من أساليب القوة الناعمة، وهي الدبلوماسية "الرياضية".
وتابع الخبير الاقتصادي الفرنسي أن الدوحة "ضخت أموال هائلة للاستثمار في المجال الرياضي، في كرة القدم، وكرة اليد، وأخيراً شراء نادي باريس سان جيرمان، ثم انتقلت لمرحلة الاستثمار في وسائل الإعلام الفرنسية مثل مجموعة "لاجاردير" التي أصبحت تمتلك فيها نحو 13% من رأس المال"، كما تتمثل السيادة القطرية في فرنسا بحصولها على أسهم في الشركات الفرنسية الاستراتيجية مثل "توتال" للبترول".
ولفتت الصحيفة إلى المقولة المشهورة، لرئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، جورج بومبيدو، الذي قال "لا للأجانب!"، مشيراً إلى تمويل الجهات الأجنبية للحياة السياسية الفرنسية"، مضيفا أن "رسالة بومبيدو كانت واضحة، إذ أن تقلبات الحياة السياسية الفرنسية تؤدي إلى علاقات خطيرة بين عالم السياسة وعالم المال، وأن الاستقلال الوطني يتطلب رفض الأموال الأجنبية"، في إشارة إلى التمويل القطري.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا تتعامل بمبدأ النفعية الواقعية مع قطر، لكونها بلد لديه مواد خام حيوية للاقتصاد الفرنسي، على الرغم من معرفة باريس بدعم الدوحة الإرهاب منذ عقود وهو ما يتنافي مع المباديء الديمقراطية والعلمانية للجمهورية الفرنسية.
واستندت الصحيفة على كتاب "أمراؤنا الأعزاء" الذي أصدره الصحفيين الفرنسيين، هما جورج مابرينو وكريستيان شينو، العام الماضي، والذي يروي علاقة الفساد التي نشبت بين قطر وبعض السياسيين الفرنسيين الذين يتلقون هدايا وامتيازات مقابل الدفاع عن هذه الدول، والذي يشير إلى كيف يركض السياسيون الفرنسيون، من بينهم نواب ووزراء ومسؤولون كبار، وراء المال القطري وكيف يتملقون أمراء هذه الدول الغنية بالنفط، هذه التصرفات المعروفة منذ زمن طويل عادت إلى الواجهة بشكل بارز بعد وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم في 2007.
وكان الكتاب قد كشف أن جان ماري لجوان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان في حكومة مانويل فالس حاول عدة مرات تناول وجبة غذاء مع سفير قطر بفرنسا مشعل آل ثاني، دون جدوى. لكن السفير غير موقفه في 2016 بسبب بعض الضغوطات الخارجية وقرر ملاقاة الوزير الفرنسي. هذا الأخير دعاه إلى توقيع عقد مع شركة اتصال من أجل مراقبة ومنع كل التصريحات المسيئة لقطر والتي قد يدلي بها سياسيون ونواب فرنسيون في البرلمان.
كما كشف الكتاب أيضاً بأن دومينيك دوفيلبان رئيس الحكومة السابق في عهد جاك شيراك أخذ هو أيضا نصيبه من الهدايا والامتيازات من قطر. فكان يشترط دائما أن يسافر على متن القطرية وفي الدرجة الأولى وإلا يرفض كل الدعوات الموجهة له للمشاركة في اللقاءات والمؤتمرات بالدوحة. كما كان دوفيلبان يدافع كثيرا عن هذا البلد الصغير مقابل امتيازات وكان يقول دائما بأن "فرنسا لا تملك أي دليل بتورط دولة قطر في تمويل الإرهاب" .
قطر.. وسر الفنادق الفاخرة في اليونسكو
في الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، كشف كتاب جديد، للكاتبة الفرنسية برينيي بونت، الذي يحمل عنوان "الجمهورية الفرنسية لقطر، إصدار دار "فايارد" للنشر عام 2017، عن النفوذ القطرية في باريس، موضحاً أن "الدوحة أنفقت عشرات ملايين اليوروهات خلال العقد الماضي، لتصبح لاعب وسط في الكواليس السياسية والاقتصادية الفرنسية".
وذكر موقع" ماي يورب.إنفو" الإخباري الفرنسي ان ذلك الكتاب أثار صدمة القراء الفرنسيين، ودفعهم لمعرفة حقيقة السياسيين الفرنسيين، الذين تلقوا رشاوى قطرية، أبرزها تقديم السفارة القطرية في باريس دعوات للسفر لساسة فرنسيين رفيعي المستوى، للإقامة في "فندق ريتز كارلتون الدوحة"، كما أشار الكتاب إلى أن هذه الشخصيات عادت إلى فرنسا بهدايا ثمينة، من ساعات فاخرة، وشيكات تزيد عن 10 آلاف يورو، قدمها المرشح القطري السابق لمنصب قيادة اليونسكو حمد الكواري، لذا ليس من المستغرب أن تجد تقارير لسياسيين فرنسيين يدعم المرشح القطري.
خلف كل كارثة قطرية.. ابحث عن بن جاسم
من جانبها، أشارت إذاعة "أر.تي.إل" الفرنسية إلى أن رئيس الوزراء، ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، هو العقل المدبر وراء استراتيجية الاستثمار في قطر في فرنسا، موضحة أن بن جاسم، هذا السياسي ورجل الأعمال، كان أيضاً رئيسا "هيئة الاستثمار القطرية"، في باريس، منذ تأسيسها في عام 2005 ، حتى عام 2013 ".
وأضافت الإذاعة أن "هيئة الاستثمارات القطرية في فرنسا، التي تأسست في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، كانت المسئولة عن المليارات تدفق المليارات القطرية التي دخلت البلاد تحت مسمى الاستثمارات، أبرزها الحصول على نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، وأيضاً أسهم في أكبر الشركات الفرنسية.
ولفتت الإذاعة إلى أن القطريين حصلوا في المقابل، على امتيازات فرنسية واسعة خاصة، في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، إذ شملت الامتيازات، إعفاء من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات القطرية للعقارات، وأثارت هذه الامتيازات موجه غضب واسعة في فرنسا، حتى أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون كان قد وعد خلال حملته الانتخابية، بوضع حد لتلك الممارسات القطرية المثيرة للجدل.
وأوضحت الكاتبة الفرنسية أن "مجموعة من الصحفيين الاستقصائيين، كشفوا أن بن جاسم، سعى لإفساد المشروعات الخيرية لوزير الخارجية السعودي في لندن، مشيرة إلى أنه كلما بحثت وراء كل كارثة ارتكبتها الدوحة تجد خلفها مباشرة، حمد بن جاسم".
وأشارت الكاتبة الفرنسية، إلى أن بن جاسم كان المالك منذ عام 2002، لشركة لصناعة الشاشات، في جزر فيرجن البريطانية- جزيرة سيئة السمعة في مجال غسيل الأموال، وفي 3 جزر أخرى في البهاماس.
كما استندت الكاتبة على مانشرت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بالعثور عن برقية دبلوماسية بتاريخ مايو/أيار 2008، تشير إلى الخلاف بين أجهزة المخابرات القطرية، وحمد بن جاسم، حول التعامل مع قضية محمد تركي السباعي، الرجل الذي أكدت المخابرات المركزية الأمريكية والأمم المتحدة بأنه الممول الرئيسي للمنظمات الإرهابية التي أجرت عدة هجمات.
وفي يناير/كانون الثاني 2016، أطلق مواطن بريطاني، والمتحدث الرسمي السابق للدوحة، فواز العطية، دعاوى قضائية ضد حمد بن جاسم، الذي أمر بسجنه في الدوحة عام 2009، موضحاً أنه سجن لمدة 15 شهرا وتعرض لأبشع أنواع التعذيب.
وجاء ذلك عقب إصدار فواز العطية كتابا عام 2008، عن مخطوطات لجده عن اصولهم وعن ذوويهم في قطر، ولاقي الكتاب اعتراضات من العائلة الحاكمة في قطر لما اورده في كتابه عن الشيخ جبر بن محمد آل ثان، وصلة القرابة بين عائلة العطية وعائلة آل ثان، ومما ذكره بأنه "بعد وفاة الشيخ عبد الله بن علي العطية، تولي الشيخ جبر بن محمد آل ثان رعاية أبناء اخته وحماية اموالهم ولكنه استولي علي كل أموالهم"، ما أثار غضب أمير قطر وطلب من قبيلة العطية الاعتذار و إلا تعرض للأذي، مما دفعه لمغادرة البلاد متوجها إلي بريطانيا رافضا تقديم أي اعتذار لحمد بن جاسم، لأن الكتاب يعد رؤية تاريخية لأحداث وقعت لعائلة العطية وسرد لأحداث ذكرها جده في عدة مخطوطات وليس من المعقول أن يعتذر عن أحداث التاريخ.
وأوضحت الكاتبة الفرنسية أن "الدوحة استخدمت سلطاتها مستندة إلى حصانة حمد بن جاسم، الدبلوماسية لمنع مقاضاته، حيث كان دبلوماسياً في لندن، وكشفت صحيفة "جارديان" البريطانية، في ذلك الوقت، أنه بدون هذه الحصانة، فإن بن جاسم كان سيواجه سلسلة من التحقيقات في جرائم ارتكبها، من بينها تقديم الرشاوى للحصول الدوحة على تنظيم مباريات كأس العالم 2022، ودفع مليار جنيه إسترليني لصالح بنك بركليز في بريطانيا.
احتيال الدوحة ضد رجل أعمال سعودي
وتابعت الكاتبة الفرنسية أن "استراتيجية الحياة الاقتصادية الفرنسية التي تتبعها الدوحة، لتقويض نفوذ منافسيها في فرنسا، بدأت عام 2007 في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي"، موضحة أن استراتيجية الدوحة استهدفت بشكل أساسي، رجال الأعمال السعوديين، في فرنسا، لتدميرهم، وإحلال مكانتهم، وكان من أبرزهم، رجل الأعمال السعودي الشيخ محمد بن عيسى الجابر، الذي يملك استثمارات واسعة في قطاع الفنادق والمطاعم في أوروبا والشرق الأوسط".
أوضحت الكاتبة أنه "في عام 2008 ، وقع الأخير عقودا لشراء عشرات الفنادق الفاخرة، في فرنسا، مع مجموعة ستاروود كابيتال الأمريكية، بما في ذلك، فندق "سريون"و "أوتيل دي لوفر"، و"كونكورد لافاييت" في باريس، و"مارتينز" في مدينة "كان" الفرنسية، وفندق "باليه ميديتراني" في مدينة نيس، لتصل قيمة الاستثمارات إلى مليار يورو، ما أثار اضطراب الدوحة، وسعت لتخريب تلك الصفقات ولكن، دون جدوى"، ونقلت الكاتبة الصحفية عن مصدر فرنسي، رفيع المستوى، لم تسمه" أن الدوحة حاولت محاربة رجل الأعمال السعودي بشتى الطرق، مشيرة إلى الدور الذي لعبه رجل الأعمال اللبناني سليم خوري، كوسيط في المفاوضات للجانب القطري أمام الجانب الفرنسي .
وأوضح الكتاب الفرنسي أن الدوحة، أدخلت رجل الأعمال اللبناني كذريعة في شركات الجابر، بتعيينه كمستشار عام 2007، واستغل خوري غياب رجل الأعمال السعودي، لمدة شهرين في زيارة إلى المملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2009، وقام خوري بتغيير بند التفرد في عقد البيع الموقعة مع "ستاروود"، مقابل دفع 100 مليون يورو، ومن ثم فإن العقد ينص على أي تغيير في البنود يدفع الطرف مبلغ 50 مليون يورو، ودفعها بالفعل، وهذا التغيير أدي إلى إنهاء الشركة الأمريكية العقد مع الجابر، وتحويل العقد للتفاوض مع قطر، والتي حصلت بالفعل على الفنادق الأكثر شهرة بموجب هذه العقود".
ونقلت الكاتبة الفرنسية عن مصادر، أكدت تلك الوقائع قائلة: "لقد تمكنا من الوصول لتبادل رسائل البريد الإلكتروني بين خوري ومدير مكتب أمير قطر في ذلك الوقت، كما يؤكد أن خوري قام بعدة زيارات إلى الدوحة عام 2009، موضحاً أنه "لا شك أن الخوري كان يعمل لصالح قطر ".
وعرض الكتاب أيضاً استراتيجية قطرية أخرى، لمحاولة لتشويه صورة رجل الأعمال السعودي الجابر في فرنسا، بهدف تأليب الرأي العام ضد الاستثمارات السعودية في البلاد، واستند الكتاب على مصادر تؤكد أن سليم خوري أقنع رجل الأعمال السعودي تشييد مبنيين في مدينة ليفالوا، الي كان باتريك بالكاني، المقرب من نيكولا ساركوزي، عمدة لهذه المدينة، ووقع عقدا بمبلغ 17 مليون، وأصطحب خوري العمدة الفرنسي، إلى الدوحة في زيارة بالتنسيق مع امير قطر، دون علم الجابر، وفي غضون بضعة أشهر، ألغي العقد المبرم بين باريس والسعودية، في حين وجدت محكمة الاستئناف في باريس أن العقد المعدل ليست وثيقة رسمية، وأنها تمت بدون موافقة رجل الأعمال السعودي الذي أكد ذلك، كما أصدر قضاء الفرنسي أمر لهيئة الاقتصاد المركزية في البلاد بتقديم اعتذار رسمي وتصحيح المعلومات الكاذبة التي نشرتها قطر.
وعرض الكتاب واقعة أخرى، تعرض لها الجابري من جراء العميل الجاسوس لصالح قطر سليم خوري، إذ تسببت هذه القضية في خسارة الجابر استثمارات بالملايين لعقود بأجل غير مسمى".
كما لخصت بريني في نهاية كتابها بأنه: "كيف لدولة مثقلة بديون القديمة أن تقيم علاقة مع دولة صغيرة غنية حديثة العهد مثل قطر، بالطبع عن طريق الهدايا المقدمة للسياسيين الفرنسين ..مرحبا بكم في الجمهورية الفرنسية لقطر".
aXA6IDMuMTQxLjI5LjIwMiA= جزيرة ام اند امز