من النفايات إلى الثروة.. مصر ترصد اقتصادها الحيوي بخبرة هولندية
تنتج مصر أكثر من 100 مليون طن من المخلفات سنوياً، ما يجعل إدارتها تحدياً كبيراً.
تنتج مصر أكثر من 100 مليون طن من المخلفات سنويًا، ما يجعل إدارتها تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه يفتح بابًا واسعًا للفرص الاقتصادية، لا سيما أن نسبة كبيرة من هذه المخلفات عضوية بطبيعتها. ويمكن تحويل هذا النوع من النفايات إلى مصادر قيمة تدعم الاقتصاد الحيوي، بما يوفّر مسارًا للنمو المستدام. ومع تبنّي السياسات المناسبة، واستخدام التكنولوجيا الملائمة، وتعزيز التعاون الدولي، تستطيع مصر بناء نموذج تنموي مستدام انطلاقًا من هذه المخلفات. وفي هذا السياق، يمكن للشركاء الهولنديين الإسهام بخبراتهم في معالجة النفايات، والابتكار عبر الحلول الدائرية، والاستثمار في الشركات المصرية الواعدة.
وكما هو الحال في دول أخرى بالمنطقة، تشكّل المخلفات العضوية في مصر ما بين 50 و60% من محتوى المدافن. وتمتاز هذه المخلفات بقابليتها للتحلل الحيوي وارتفاع نسبة الرطوبة فيها، ما يجعل فصلها وإعادة تدويرها عملية معقدة. كما أن غياب بيانات دقيقة وموثوقة حول النفايات يعرقل التخطيط والاستثمار في هذا القطاع. ويلعب القطاع غير الرسمي، الذي يضم جامعي القمامة المستقلين والمشروعات الصغيرة العاملة خارج الأطر التنظيمية، دورًا محوريًا في الجمع وإعادة التدوير، لكنه يفتقر إلى الاعتراف الرسمي والموارد الكافية. إضافة إلى ذلك، لا تزال اللوائح والمعايير المنظمة لإدارة النفايات، وكذلك معايير الجودة الخاصة بالمواد المعاد تدويرها، غير مكتملة، ما يحدّ من تطوير منتجات جديدة قائمة على المخلفات العضوية.
فرص كامنة واقتصاد دائري
في المقابل، تخلق هذه التحديات فرصًا واسعة. فالحجم الكبير للمخلفات العضوية وتنوّع نظم إدارة النفايات في مصر يفتحان مجالات متعددة لإعادة الاستخدام وتعظيم القيمة. وتنظر هولندا إلى مصر بوصفها «دولة مركّبة»، أي سوقًا ناشئة يمكن من خلالها الجمع بين التعاون والتجارة والاستثمار لدعم الاستقرار والازدهار المستدام والرفاه الاجتماعي. ويركّز المسار التكاملي في مصر على الزراعة الذكية مناخيًا ومائيًا، ما يجعل المخلفات العضوية عنصرًا أساسيًا في بناء اقتصاد حيوي ودائري.
وتحظى هذه التحوّلات بدعم حكومي، إذ أطلقت وزارة البيئة المصرية في عام 2021 الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الحيوي، التي تهدف إلى دفع التنمية الاقتصادية عبر الاستخدام المستدام للموارد البيولوجية والانتقال إلى اقتصاد دائري يقلل الفاقد ويعظّم القيمة. وفي عام 2023، أنشأت الوزارة وحدة الاستثمار في المناخ والبيئة (CLEIU) لجذب الاستثمارات الخضراء.
ودخلت شركات مصرية صغيرة ومتوسطة متزايدة إلى مجال تعظيم قيمة المخلفات، مثل «موزنة» و«كايتوسان»، حيث تُظهر هذه الشركات قدرة على تحقيق عوائد اقتصادية ملموسة عبر خلق فرص عمل، وتنشيط سلاسل الإمداد، وزيادة الإيرادات الضريبية. كما تقود الابتكار في جمع وفرز وإعادة تدوير النفايات، ما يرفع معدلات التدوير ويقلّص التلوث، غير أنها لا تزال بحاجة إلى دعم مستمر في مجالي الإدارة وتطوير الأعمال.
- إنتاج البلاستيك يقفز 200 ضعف منذ 1950.. تهديد وجودي
- علماء يحوّلون زيت الطهي المستعمل إلى بلاستيك فائق القوة وصديق للبيئة
النهج التكاملي الهولندي
يعتمد هذا التحول على ما يُعرف بـ«النهج التكاملي»، حيث تستفيد السفارة الهولندية من شبكاتها الزراعية القوية في مصر، فيما يعمل كل من وزارة الزراعة الهولندية ووكالة المشاريع الهولندية على تحفيز سوق المخلفات العضوية عبر ربط الخبرات الهولندية بالفرص المحلية، وتشجيع الشراكات ونمو الأعمال.
وتبرز عدة مبادرات ناجحة في هذا الإطار، من بينها مشروع شبكة تقديم الخدمات الزراعية المستدامة (SASPEN)، الذي دعم عشرات الشركات الناشئة ومقدمي الخدمات الزراعية بالخبرات الفنية والتجارية، وربطهم بشركات هولندية. كما أسهم المشروع في توسع شركة «كايتوسان مصر»، أول منتج صناعي للكيتوسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب شركة «موزنة للحلول الزراعية» التي تحوّل المخلفات الزراعية في صعيد مصر إلى أسمدة عضوية سائلة، وتحدّ يوميًا من دفن عشرات الأطنان من النفايات.
يوفّر قطاع المخلفات العضوية في مصر فرصًا واسعة أمام الشركات والمستثمرين الهولنديين، سواء عبر نقل التكنولوجيا، أو تبادل المعرفة وبناء القدرات، أو الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن التعاون مع منظمات المجتمع المدني لنشر الوعي بأهمية إعادة التدوير.
وفي هذا السياق، يعمل الشبكة الزراعية الهولندية وفريق المسار التكاملي في القاهرة على تعزيز الاقتصاد الحيوي المستدام من خلال الربط بين الشركات المصرية والهولندية، وجذب الاستثمارات، وتحسين المهارات. ومن المرتقب إطلاق مرحلة ثانية من برنامج SASPEN لدعم الشركات الزراعية الناشئة، إلى جانب برنامج جديد لربط الشركات المصرية الباحثة عن حلول لإعادة استخدام المخلفات بمزودي التكنولوجيا الهولنديين.
ويمثّل الاقتصاد الحيوي مسارًا محوريًا لتحقيق التنمية المستدامة والتحول الأخضر في مصر، إذ يمكن، عبر تعظيم الاستفادة من المخلفات العضوية وتعزيز التعاون المصري–الهولندي ودعم المبادرات المحلية، إطلاق نمو اقتصادي طويل الأمد، وتحقيق مكاسب بيئية كبيرة، وتعزيز الأمن الغذائي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز