"صندوق الأربعين".. فضيلة تأمل البدايات وبراءة تسجيل الاحتجاج

الكتاب الذي قسمته الكاتبة ميس خالد العثمان إلى 48 فصلاً قصيراً، يحتوي مشاهدات تستند في معظمها إلى وقائع حياتية.
تقف الكاتبة ميس خالد العثمان في كتابها "صندوق الأربعين"، تدلي بشهادتها على ما فات، متشبثة بالبدايات والمواقف الأولى، تقف منها بالرصد والتقييم.
الكتاب الذي قسمته المؤلفة إلى 48 فصلاً قصيراً، يحتوي مشاهدات تستند في معظمها إلى وقائع حياتية غير مرتبة زمنياً، حيث إن الغرض الرئيسي من الكتاب، هو فكرة التقاط المشاهدات لا ترتيبها.
سجَل الرباط النوستالجي بذكريات الطفولة حضوراً قوياً في مقاطع كثيرة من الكتاب، لكن يبقى المقطع "38" الذي توحدت فيه نوستالجيا المكان مع نوستالجيا الكاتبة نفسها، حيث ترصد من خلال ذاكرتها البصرية تفاصيل المدينة ذات الطابع المعماري البريطاني، حيث كل شيء ملون، وعامر بالهدوء والرحمة التي تأثرت بالمحيط العربي - الأجنبي، وبلهجات لبنان وفلسطين ومصر والعراق وباكستان والهند وغيرها.
ولعل هذا الفصل هو الأكثر تسجيلا لظاهرة "الـ" التي تستخدمها الكاتبة قبل الأفعال بدلاً من الأسماء الموصولة "التي/ الذي"، فكانت مناسبة بشكل كبير لحالة التواصل التي سيطرت على هذا الفصل تحديداً، سواء تواصل الكاتبة مع هذا المكان الذي شهد بداية الطفرة في الكويت مع بداية استخراج النفط، أو التواصل بين أهل المدين الصغيرة الأصليين منهم والوافدين.
وبامتداد فصول الكتاب الذي ينتمي إلى السرد عن الذات، تطل خلفيات التغيرات السياسية والاجتماعية في الكويت، وتربط بين بعضها وحالات التمرد لديها في إشارتها إلى الحملة الشعبية "نبيها خمسة" لتقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 مقاعد، وكذلك حضور أحداث حرب العراق التي انشغلت برصد آثارها الإنسانية في أعمالها بشكل عام، وكذلك ما حدث من طفرة في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، حتى انتشار الإنترنت وما صحبه من تغيرات جذرية في تشكيل الوعي الجمعي، وفق رؤيتها.
تنطلق الكاتبة الكويتية صاحبة رواية "عرائس الصوف" من لقطات متفرقة في طفولتها، بين جدتها وأبيها الذي تفاعل مع حبها لمقطوعة "كسارة البندق" فاصطحبها إلى محل بيع شرائط الكاسيت ليشتري معها كل مقطوعات تشايكوفسكي، وتذكر في الفصل نفسه موقفها الرافض أن تكون معلمة الرياضيات التي ستتأثر بحصة اللغة العربية التي ألغيت كمعلم احتياطي، وكأنها في هذا الفصل تربط بين الجناحين اللذين منحها الأب إياهما، ورسوخها في موقفها الرافض المستند إلى منطقها الخاص الذي منحها نصرا ذاتيا دون أن تتعرض للتبكيت.
الروائية الكويتية تخلخل في كتابها الصادر عن دار "تشكيل" المصرية، فكرة "النموذج" و"الإجابة النهائية" في كل صورها، ابتداءً من الإجابات الدراسية ذات المعاني المنمقة والاكتمال الهلامي، إلى "فيلم اللاءات" الذي يعرض بشكل مستمر من قبل الكبار، وتصورهم لوعينا بأنه قاصر، ولن يلتقط كل التوترات الحاصلة نتيجة تناقض أفعالهم وتعاليمهم القاطعة.
تحتل إشارات التواريخ والأسماء في الكتاب الذي جاء في 332 صفحة من القطع المتوسط، مكاناً دلالياً هاماً، حيث تتوقف الكاتبة عند تاريخ مولدها، ومعنى اسمها، وعلاقة ذلك بتركيبة شخصيتها، ومجريات حياتها، وكذلك توقفت عند تاريخ زواجها الذي ربطت بينه وبين العديد من الحوادث التي تعضد فكرة "التحولات الكبرى"، حيث وافق ذكرى إعلان الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهو ذكرى اغتيال جبران تويني، ويوم استلام تشرشل لجائزة "الأدب"، ويوم خرق مارتن لوثر مرسوما كنسيا ينص على طرده من الرحمة عقابا على معارضته لفكرة الكنيسة.
اجتهدت الكاتبة في أن تعرض أفكارا عدة من منظور مختلف، فعن الصداقة تشير إلى أصدقائها الذين يكبرونها كثيراً في السن، وكذلك تشير إلى الصداقات غير التقليدية بالحلاقة (نورا)، والخياط (شاهد) وصاحب المحمصة (حجّي جواد)، وغيرهم من البائعة في مخبز إلى حارس العمارة إلى الطبيب إلى صبي القهوة الذي يتكلم بإنجليزية بدائية، موضحة أن الصداقة فعل يتجاوز حيز الوجود الجسدي.
وقد اعتمدت الكاتبة الفائزة بجائزة "ليلى العثمان" في الإبداع السردي، في كتابها آليات السرد الذاتي، الذي يجمع بين سرد التاريخ الشخصي وعدم الاستغناء الكامل عن جماليات الكتابة الأدبية، وإن كان الكتاب قد اضطر إلى لغة خطابية مباشرة للغاية في بدايته وخاتمته لا تناسب إشاريته الرهيفة في كثير من المواضع، إلا أن ذلك يمكن التغاضي عنه بوصفه محكى استرجاعياً نثرياً، تقوم به الكاتبة بصفتها الواقعية لوجودها الخاص من خلال إصباغ الحياة الشخصية بالتخيل.
ميس خالد العثمان كاتبة وروائية كويتية، ولدت في عام 1977، صدرت لها روايات "عرائس الصوف" و"عبث" و"غرفة السماء و"ثؤلول".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA==
جزيرة ام اند امز