في ظلّ التطوّر السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بات واضحًا أنّ الأجيال القادمة ستعتمد على هذه النماذج الرقمية كمصدر رئيسي للمعرفة والثقافة، وليس فقط للمعلومات التقنية أو الترفيهية.
لكن السؤال المحوري الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: هل سيتعرّف أبناؤنا على ثقافتهم الحقيقية من هذه النماذج؟ أم من صورة باهتة ومجتزأة تمّ بناؤها بمعزلٍ عنهم؟
الحقيقة المؤسفة أنّ حضور الثقافة العربية في معظم مولّدات الذكاء الاصطناعي الحالية ضعيف، وغالبًا غير دقيق أو نمطي. لا تُعالج هذه النماذج تنوّع اللهجات، ولا تُبرز خصوصية العادات والتقاليد، ولا تُنصف الغنى الهائل في الفنون، والأمثال، والملابس، والمأكولات الشعبية. إنّها فجوة ثقافية رقمية بدأت تتّسع، ومعها خطر أن يتعرّف أطفالنا على أنفسهم من خلال مرآة مشوّشة.
ولأنّ الذكاء الاصطناعي لا يكتب من فراغ، بل من البيانات التي يُغذّى بها، فإنّ غياب المحتوى العربي الموثوق والمهيكل يُفضي إلى غياب الوجود العربي في هذه النماذج. وهنا يكمن التحدّي… والحل.
المطلوب اليوم مشروعٌ عربيٌّ مشترك، تتبنّاه جامعة الدول العربية، لتوثيق ورقمنة الهوية الثقافية العربية بمختلف أشكالها، وتقديمها بصِيَغ قابلة للمعالجة عبر الذكاء الاصطناعي.
هذا المشروع لا يجب أن يبدأ من الصفر، بل يمكن أن يستند إلى ما أنجزته دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، والتي حقّقت ريادة ملحوظة من خلال إطلاق نماذج لغوية عربية متقدّمة مثل «فالكون» و«جيس»، واستثمارها الاستراتيجي في الذكاء الاصطناعي عبر مؤسسات رائدة كجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ومركز بحوث التكنولوجيا المتقدّمة (TII).
إنّ الشراكة مع الإمارات، والاستفادة من بنيتها الرقمية وخبرتها في بناء نماذج معرفية عربية، يُشكّلان ركيزة قوية لإطلاق مبادرة ثقافية عربية شاملة. كما أنّ التعاون مع الشركات التقنية العربية، والمراكز البحثية الإقليمية، سيساهم في بناء منظومة معرفية تضمن أن يتم تصدير ثقافتنا كما نريدها نحن، لا كما يصوغها الآخرون.
المستقبل يُكتب الآن، لكن هذه المرة بلغة الآلة. فإمّا أن نكون حاضرين كأمةٍ ذات رواية وهوية، أو نترك خوارزميات الغير تُلخّص قرونًا من حضارتنا في بضعة أسطر غير منصفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة