"أبناء الرمال السبعة" هو عنوان لكتاب صدر حديثًا باللغة الإنجليزية "Children of the Seven Sands" يقع في 429 صفحة لألكساندر ماك ناب، الكاتب والباحث المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والخبير بالصحافة الاستقصائية لأكثر من 35 عامًا.
ويتناول الكتاب تاريخ الإنسان في أرض الإمارات؛ الذي عاش وسط كثبان رملية، وأطراف الجبال، وضفاف الشواطئ، نحو 125 ألف سنة من دون انقطاع؛ فأول أثر لتجمُّع بشري في الإمارات اكتُشف في موقع الفاية بإمارة الشارقة، الذي أُدرج رسميًّا الأسبوع الماضي في لائحة التراث العالمي لليونسكو لعام 2025. ومن هذا الموقع تبدأ سردية الكتاب القيم؛ حيث عُثر على آثار الإنسان الإماراتي الأول، وتم حفظها في مركز مليحة الأثري، وهي أقدم آثار بشرية في جزيرة العرب.
رحل الإنسان الإماراتي الأول من الشارقة إلى الذيد ومسافي والفجيرة شمالًا، وإلى جبل حتا والبريمي جنوبًا. وفي مرحلة لاحقة هاجر إلى شمال آسيا وشرقها عبر الخليج العربي، الذي كان، وفقًا للكاتب، بحيرة مائية ضحلة قبل 200 ألف سنة.
وعلى الرغم من الظروف البيئية والمناخية المتقلبة؛ فقد استمرت الحياة وتطورت؛ لتصبح الإمارات معبَرًا للتجارة بين حضارات العالم القديمة. ويذكر الكتاب أن أرض الإمارات شهدت نشأة صناعة الحديد في موقع "صاروق الحديد" جنوب دبي؛ حيث كشفت أعمال التنقيب عن آلاف القطع الأثرية التي تعود إلى عام 1270 قبل الميلاد. وكان الموقع مركزًا لصهر العديد من المعادن التي كان يُصدَّر معظمها إلى العراق. وتُعرض هذه القطع الأثرية حاليًّا في متحف الشندغة بدبي، الذي افتُتح في عام 2016.
وخلال العصر الحديدي شهدت الإمارات بروز مراكز تجارية، وواحات خضراء، ومستوطنات بشرية، وقبائل تجوب الصحراء، إلى جانب مزارع عملت وفق تقنيات متقدمة عُرفت بنظام ري الأفلاج، الذي برز وتطور في واحات الإمارات قبل ألف سنة، ولا سيما في واحة العين.
وتشهد منطقة هيلي الأثرية في مدينة العين على وجود مدافن ومستوطنات تعود إلى العصر البرونزي، أي قبل 3000 سنة قبل الميلاد، وقد أُدرجت ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي لعام 2011، ويُعد موقع هيلي الأثري من أكبر المدافن الجماعية في جزيرة العرب. وليس بعيدًا عنه تم تعرُّف مرحلة عُرفت باسم ثقافة "حفيت" التي تعود إلى الفترة بين 3200 و2600 قبل الميلاد، وازدهرت فيها تجارة النحاس، الذي كان يُصدَّر إلى مملكة دلمون. ومن الاكتشافات التاريخية المهمة التي يتناولها الكتاب جزيرة "سينية" في إمارة أم القيوين، التي تضم أقدم قرية لتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي.
ويشير كتاب "أبناء الرمال السبعة" إلى أن الإمارات كانت محطة مرَّ عبرها الإنسان العاقل في أولى هجراته من إفريقيا إلى بقية العالم قبل 75,000 سنة؛ إلا أن تقلبات مناخية حادة، وارتفاعًا في درجات الحرارة خلال الفترة بين 6000 و4000 قبل الميلاد، أدَّيا إلى هجرات بشرية، وانخفاض حاد في الوجود البشري على أرض الإمارات لأكثر من ألف سنة.
ثم عادت الحياة تدريجيًّا حول جبل حفيت؛ حيث اكتُشفت مقابر متفرقة، وأدوات نحاسية، وكانت على تواصل مع موقعي "أم النار" و"تل أبرق" الأثريين، اللذين أعلنا ولادة الإمارات قديمًا بصفتها مركزًا تجاريًّا يربط وادي السند والبصرة شمال الخليج العربي. ويؤكد ألكساندر ماك ناب أن أقدم موقع كنسي أثري اكتُشف في جزيرة صير بني ياس بأبوظبي يعود إلى نحو 300 سنة بعد الميلاد.
وهذا التاريخ العريق مصدر اعتزاز لأبناء الإمارات، وبناتها؛ ويستحق التوثيق، كما وُثِّقت مرحلة وصول القوى الأوروبية إلى سواحل الإمارات، وخاصة الاستعمار البرتغالي الدموي في القرن الخامس عشر، ومن بعده البحرية البريطانية التي دمرت موانئ ومدنًا إماراتية كانت عامرة بالنشاطين البحري والتجاري، ولا سيما في رأس الخيمة.
وتمكن حكام القواسم في رأس الخيمة والشارقة من بناء أقوى قوة بحرية في المنطقة، ضمّت 876 سفينة حربية صغيرة وكبيرة، تحمل 400 مدفع، ويعمل عليها أكثر من 8,000 مقاتل، وفق تقديرات الكتاب. وكانت هذه القوة تحمي أكبر أسطول تجاري في الخليج العربي، وأسهمت في فرض السيطرة على مدن بر فارس وموانئه. وكانت الإمارات في ذروة مجدها التجاري والبحري خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وشكل هذا النفوذ البحري تحديًا كبيرًا أمام الأسطول البريطاني، الذي قرر تغيير موازين القوة، وفرض سيطرته العسكرية على موانئ الإمارات، ومدنها، وفق معاهدة عام 1820 التي أرست نظام الحماية البريطانية على "الساحل المتصالح"، واستمر هذا النظام لنحو 170 سنة. وخلال تلك الفترة شهدت الإمارات صراعات قبلية في البر الإماراتي، وازدهرت تجارة اللؤلؤ، وبرز الرعيل الأول من رواد التنوير في النصف الأول من القرن العشرين.
وجاءت اللحظة التاريخية الفارقة في نهاية القرن العشرين، عندما قررت بريطانيا الانسحاب من شرق قناة السويس؛ ما مهد الطريق لقيام دولة الاتحاد الحديثة في 2 ديسمبر 1971، بعد مصافحة تاريخية بين قائدين قررا أن الوقت حان لولادة كيان إماراتي اتحادي متجذر ومتجدد.
ويقول مؤلف الكتاب: "تاريخ الإنسان الإماراتي تاريخ مذهل ومملوء بالألغاز، ومرَّ بفترات صعود وهبوط منذ فجر التاريخ، إلى أن وصلت الإمارات إلى ما هي عليه اليوم؛ واحةُ أمن وأمان وازدهار".
إن كتاب ألكساندر ماك ناب موسوعة تاريخية مكونة من 27 فصلًا، ويحتوي على كنز معرفي ثمين عن وطن اسمه الإمارات، يمتد تاريخه إلى أكثر من 125 ألف سنة؛ ومع ذلك فإن هذه السردية، كسائر قراءات تاريخ الإمارات، بحاجة إلى مراجعة نقدية دقيقة من مؤرخين إماراتيين للتثبت من صحة ما ورد فيها من أطروحات.
الإمارات وطن متجذر ومتجدد منذ فجر التاريخ، لا ينسى ماضيه القديم والحديث؛ لكن ما يميزها اليوم أنها ليست من الأمم العالقة في الماضي؛ بل هي أمة طموحة ومثابرة تعيش حاضرها، وتمضي بثقة نحو مستقبل مفعم بالتفاؤل.
نقالا عن منصة "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة