أكثر من عقد زمني مرّ على السوريين وهم يصارعون تحديات الحياة على المستويات الاقتصادية والإنسانية والوطنية، حتى كاد كثير منهم يفقد الأمل في وجود مرافئ آمنة يستظل بها بعد طول عناء.
تسلل الإحباط إلى نفوس السواد الأعظم، وتحول عند البعض إلى يأسٍ مقيم. داهم الزلزال فجر الاثنين، السادس من فبراير/شباط الجاري، سكينتهم العابرة، فحوّلها إلى فزع.. استكشفوا أن كثيرا مما جنَوا في رحلة العمر أصبح سرابا.. أوجَعَ الألمُ أرواح مَن فقد الأحِبَّة، وآَلَمَ القلوب.
ساعات قليلة بعد الفاجعة كانت كفيلة بإحداث خلل في توازن أكثر الأشخاص تماسكا وجبروتا.. كيف لا وقد أطاحت ثواني الزلزال المئة الأولى بركائز استقرار الأرض التي منحته السكينة؟
السوريون، المفجوعون بهول الفاجعة كما القابضون على جمر الترقب، بدَوا كأنهم على موعد مع قدر محتوم.. لم ينتبهوا وهم تحت تأثير الصدمة إلى أن الأقدار ذاتها قد تحمل إليهم بشائر الخير.. عينٌ على الفاجعة وأخرى على الأمل.. لم ينتظر "الفارس الشهم-2" هدوء بواطن الأرض لكي يتحرك.. أطلَّ بعنفوان الفارس وشهامته ليجود بكل ما يلزم، انسجاما مع قِيَمه النبيلة، فأيقظ الضمائر على مشهد نكبة إنسانية من فعل الطبيعة وحدها، نكبة تقتضي ترميم تصدعاتها من خلال فعل إنساني يتخطى جميع الحسابات.
بعد ساعات قليلة على الفجيعة كان الشعب السوري على موعد مع بوارق الأمل، التي أشاعها جسر الإغاثة الإماراتي جوًّا باتجاه المنكوبين من الشعبَين السوري والتركي، شريكي النكبة. أفسحت نخوة "الفارس الشهم-2" المجال أمام العالم كي يعيد قراءاته بوحي الضمير الإنساني، وسلّط الضوء الكاشف على معاناة العباد والبلاد وقسوتها التي أنهكتهم.. حفّز بإقدامه المترددين، وضخّ في شرايين المتجاهلين نفحةَ مواجهة الذات انطلاقا من القيم الإنسانية المشتركة بين مختلف البشر.
قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة عبر توجيهات سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ومن خلال عملية "الفارس الشهم-2" الخاصة بإغاثة الشعبين السوري والتركي، نموذجا فريدا لاستقلالية خياراتها وقراراتها، وعن معنى تجسيد الدبلوماسية لقوة الدولة وحيويتها، حيث أسهمت في دفع القضية السورية بحواملها المتعددة، الإنسانية الناتجة عن كارثة الزلزال، والسياسية المتراكمة بسبب الأحداث التي عاشتها سوريا على مدار أكثر من عقد من الزمن، إلى صدارة الاهتمام العالمي مجددا، سعيا لوضع حد للاستنزاف السياسي والاقتصادي والإنساني، الذي يعانيه السوريون.
استيقظ الشعب السوري على حقيقة أنه ليس وحيدًا في مواجهة تحديات الطبيعة وشدة غضبها، وأيقن أنه لم يغادر دائرة اهتمام أشقائهم في دولة الإمارات على المستويات الرسمية والشعبية، وأدرك أن ما خلّفه الزلزال من جروح وندوب على البشر والحجر، وعلى الدولة ومؤسساتها، لم يحجب نافذة الأمل لتجاوز آثاره المدمرة من ناحية، وأنعش آمالهم في إمكانية تضميد جراح وتراكمات السنين العجاف السابقة وأعبائها الثقيلة من ناحية أخرى.
لطالما شكلت المِحَن والنكباتُ الكبرى، التي تعرضت لها الدول والشعوب على مر العصور، حافزا للعمل على تحويلها إلى فرص، حين تتضافر عدة عوامل متداخلة، منها ما هو ذاتي ينطلق من إرادة واعية وتخطيط محكم لإدارة ما هو متاح وتوظيفه في إزالة آثار الكارثة، ومنها ما هو موضوعي يتعلق بالتفاعل مع المبادرات الإيجابية الخارجية والاستفادة منها في عملية الانتقال من المضمار المغلق إلى ساحات وفضاءات جديدة أكثر رحابة.
اليوم تبدو الفرصة سانحة في سوريا، ولسوريا، خاصة في ضوء الهبة الإنسانية العربية والدولية، التي ألهمتها عملية "الفارس الشهم-2" الإماراتية للمجتمع الدولي، وفي ظل تمسك الجميع بضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة