لا يمكن أن يخلو العالم من النعرات الطائفية والدينية إلا بجهد كبير تقف خلفه مؤسسات ودول، ولا يمكن أن تعمل المؤسسات منفردة، بل بتكتل مشترك بين دول عدة ومؤسسات من مختلف المشارب.
فالكراهية والإرهاب والتمييز لا تعرف الحدود ولا المسافات في عالم مفتوح ومتشابك، ولا شك أنّ أثير الكراهية وصوتها المتنامي خلال القرن المنصرم هو نتاج عشرات -وربما مئات- السنين من الخطاب الديني-السياسي، الذي كان يستهدف المختلف دينيا وطائفيا وعرقيا، وما تجلّت الكراهية إرهابا إلا نتيجة ذلك الفهم الخاطئ المتراكم منذ اختلاط الدين بالسياسة وبالعادات والأعراف.
وإذ يتبرأ العالم أجمع من وصمة الكراهية، وتنبري دول عديدة لمكافحة أي خطاب متطرف، يستهدف استقرارها وأمن مواطنيها والمقيمين فيها ونظامها الاجتماعي، يأتي دور دولة الإمارات ليشكّل تحولا في طريقة التعامل مع الكراهية ومحاربة الأيديولوجيات المتطرفة، التي تغذي العنف، عبر وأد أساساتها بنقاط مهمة، كقوانين مكافحة التمييز والكراهية، ومكافحة تمويل التنظيمات غير المشروعة، وغيرها من القوانين التي تُجفّف منابع الكراهية وتمنع أسبابها، حتى أصبحت دولة الإمارات نموذجا عالميا يُشاد به في جميع المناسبات ويُحتذى به في بقية الدول.
وقد شكّلت أسبقية دولة الإمارات اللبنة الأساسية لبناء مستقبل بشري بلا كراهية، حيث عملت عبر مشاريعها المدروسة في تقريب وجهات النظر وبناء جيل يؤمن بالحوار والتقارب والأخوة الإنسانية، بعد توقيع مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، تلك الوثيقة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا، والتي تقدم مخططا لثقافة الحوار بين الأديان، حتى أعلنت الأمم المتحدة يوما عالمياً للأخوة الإنسانية، ما يؤكد دور الإمارات في نشر قيم يحتاج إليها العالم ليتآخى ويهنأ بالعيش في وئام.
ويعد بيت العائلة الإبراهيمية بدولة الإمارات مثالا آخر للتعايش، حيث يجمع مختلف أبناء الديانات في مكان واحد، ليرد على الادعاءات التي تعزو الكراهية للأديان، فيبرئ ساحتها، ويعرّي المتطرفين المنتمين إليها، ويبني جيلا يتمسك بدينه ويطبق تعاليمه، مقدِّرًا الآخر المختلف دون تقليل أو انتقاص.
وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أن "بناء جسور التواصل والتعايش والتعاون بين الجميع نهج الإمارات الثابت في مسيرتها، وبيت العائلة الإبراهيمية صرح للحوار الحضاري البنّاء ومنصة للتلاقي من أجل السلام والأخوة الإنسانية".
إن المتأمل لأهداف إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية يدرك أن له إيجابياتٍ جمة، فهو يدعو للتسامح والحوار بين الأديان، ويبيّن الحقيقة المتمثلة في أن الصراع لا يمكن أن يكون بين المتسامحين المؤمنين بحقيقة سمو النفس البشرية وقدسيتها، ولعله باكورة لمؤسسات أخرى تجمع الأديان والأفكار والمعتقدات كافة، لتتحاور وتتفهم بعضها دون النظر إلى الاختلافات كأخطاء لا بد من تصحيحها، وذلك لبناء مستقبل بلا كراهية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة