لا تتوقف تداعيات الكوارث الطبيعية، وأولها الزلازل، عند الخسائر البشرية والاقتصادية.. بل تمتد إلى السياسة، لا سيما خلال الانتخابات.
فالزلزال، الذي وقع فجر السادس من شهر فبراير/شباط الجاري، جاء في توقيت حساس بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إذ إنه وقع قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصيرية، وفي وقت كانت شعبية الرئيس أردوغان ترتفع، حيث كان يعد كل أجندته للفوز في هذه الانتخابات، فيما حوّل الزلزال كل هذه الأجندة لصالح كيفية مواجهة تداعياته، التي دمّرت مناطق كاملة، يعيش فيها أكثر من 13 مليون شخص.
حتى الآن، فجّر زلزال كهرمان مرعش سجالات واسعة بين المعارضة وحكومة حزب العدالة والتنمية، ويبدو أنها ليست سوى مقدمة لمواجهة سياسية قوية مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 14 مايو/أيار المقبل، إذ إن هذه السجالات تركز على الجهة المسؤولة عن هذه الخسائر الكبيرة لأعداد الضحايا من قتلى وجرحى جراء الزلزال، ومدى التزام معايير البناء، والأموال التي رُصدت لمقاومة الزلازل بعد زلزال إزميت المدمر عام 1999، حيث ساعدت تداعيات هذا الزلزال على توجيه سهام النقد لحكومة الراحل بولند أجاويد وقتها، وقدوم حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، ما دفع كثيرين إلى القول إن الذين قدموا إلى الحكم عقب زلزال 1999 سيخسرونه على وقع تداعيات زلزال كهرمان مرعش 2023، فهذا هو على الأقل لسان حال المعارضة التركية، خاصة زعيمها كمال كليجدار أوغلو.
في الوقت نفسه، لا يتوانى الرئيس رجب طيب أردوغان عن تركيز كل جهوده من أجل النجاح في التعاطي مع تداعيات الزلزال وإنقاذ شعبه، وتحويل كل ذلك إلى رصيد انتخابي له في صناديق الاقتراع.
وأمام توجه خصوم "العدالة والتنمية" لركوب حصان ما بعد الزلزال للفوز في الانتخابات، بين أيدي الرئيس أردوغان أوراق كثيرة للحيلولة دون ذلك، فهو قد أعلن حالة الطورائ لثلاثة أشهر، وهي حالة تتيح له تأجيل الانتخابات أصلا لمواجهة تداعيات الزلزال، وتسخير الحوافز الاقتصادية، التي وعد بها الأتراك لصالح أجندته في مرحلة ما بعد الدمار، الذي خلفه الزلزال، فضلا عن الاستفادة السياسة من النافذة الدبلوماسية التي فتحها الزلزال مع الدول المختلفة معه، خاصة اليونان وأرمينيا والولايات المتحدة، واستثمار ما جرى لتسريع وتيرة جهود المصالحة مع دمشق.
ولعل الرئيس أردوغان يراهن على هذه المعطيات، وغيرها، للحد من تداعيات الخسائر الكبيرة للزلزال من جهة، ومن جهة ثانية جعل هذه المعطيات محددا فيما إذا الانتخابات ستجرى في موعدها أو تأجيلها.. وبالتالي تمديد حالة الطوارئ في البلاد.
ربما ما يتطلع إليه الرئيس أردوغان في هذا التوقيت الصعب يواجه تحديات، منها الوضع الاقتصادي والمالي، فحجم الدمار الذي خلفه الزلزال سيضغط على الميزانية التركية، ويقلص حجم احتياطي العملات الأجنبية، فيما الحكومة التركية اتخذت إجراءات واضحة عقب الزلزال، منها إلقاء القبض على العشرات من مقاولي البناء والتحقيق معهم في مخالفات البناء التي ربما زادت حصيلة ضحايا الزلزال.
الواضح أن المحاسبة والجزاء في مثل هذه القضايا ربما يأتيان عبر صناديق الانتخاب، وهذا ما يدركه الرئيس أردوغان، الذي حرص على تصدر المشهد السياسي منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال بزيارة الولايات التي تضررت، فحملته الانتخابية باتت متعلقة بالنجاح في مواجهة تداعيات الزلزال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة