منطقة عازلة بغزة.. «العين الإخبارية» تفتش في جدوى المقترح الإسرائيلي
على الرغم من أن إسرائيل لم تستطع إنهاء الأهداف التي من أجلها شنت حربا على قطاع غزة -حتى الآن-، إلا أنها باتت تفكر في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية، الرامية لتدمير حركة حماس.
تفكير قاد الدولة العبرية إلى استنساخ النموذج اللبناني، بإنشاء منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة، في مسعى منها لمنع أي هجمات مستقبلية عليها، وقطع الطريق على تكرار أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مرة ثانية.
وكانت وكالة «رويترز» نقلت عن مصادر لها قولها إن إسرائيل أبلغت بلدانا عربية، إضافة إلى تركيا، برغبتها في إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة، مشيرة إلى أن مسؤولا أمنيا إقليميا كبيرا أبلغها بأن الدولة العبرية «تريد إقامة هذه المنطقة العازلة بين غزة وإسرائيل شمالا إلى الجنوب، لمنع أي تسلل أو هجوم عليها من جانب حماس أو أي مسلحين آخرين».
وشبهت المصادر الإقليمية فكرة المنطقة العازلة في غزة بـ«المنطقة الأمنية» التي أقامتها إسرائيل في جنوب لبنان. وأخلت إسرائيل تلك المنطقة التي كانت بعمق نحو 15 كيلومترا في عام 2000، بعد سنوات من القتال والهجمات التي شنها حزب الله اللبناني.
فما جدوى ذلك المقترح؟
يقول الخبير الاستراتيجي اللبناني والعميد المتقاعد ريشار داغر، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن إقامة منطقة عازلة أمنية في القطاع بعد الحرب لمواجهة التهديدات العسكرية من حماس وحركات المقاومة يعد أمرًا عديم الجدوى والفائدة.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن الأسلحة التي تمتلكها حركة حماس تستطيع إصابة أي منطقة في إسرائيل، مشيرًا إلى أنه إذا استطاعت إسرائيل اقتطاع جزء من قطاع غزة وإنشاء منطقة أمنية عازلة، فلن تحول تلك المنطقة من تهديدات صواريخ الحركات المسلحة داخل القطاع، والقادرة على ضرب العمق الإسرائيلي.
لكنه استدرك بقوله إن المقترح الإسرائيلي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا جرى وضع هذه المنطقة الحرة التي تستطيع أن تتحرك فيها حماس تحت وصاية دولية وعربية، تضبط الوضع، وتمنع تفجر الأوضاع عسكريا.
وأشار إلى أن «الحل يجب أن يكون ضمن تسوية سياسية معينة، إلا أن حدود هذه التسوية وشكلها أمر لا يزال قيد البحث والتداول بين القوى الكبرى المؤثرة في القضية الفلسطينية».
وبحسب الخبير الاستراتيجي اللبناني فإن «إسرائيل تواجه مأزقا حقيقيا في التعامل عسكريا وأمنيا مع مسألة التهديد الذي تمثله حركة حماس وغيرها من الحركات المسلحة داخل قطاع غزة، فعقب العمليات العسكرية التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكدت القيادة الإسرائيلية أن هدفها هو تدمير البنية العسكرية لحماس، وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارج القطاع، في أهداف تعد شبه مستحيلة».
وأرجع داغر صعوبة تحقيق تلك الأهداف؛ نظرا «لكل الظروف والمعطيات القائمة داخليا في البيئة الفلسطينية وفي البيئة الإقليمية العربية والإسلامية وحتى في البيئة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي ترفض جميعها مسألة تهجير الفلسطينيين».
الأمر نفسه أشار إليه الخبير الاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن مقترح إقامة منطقة عازلة في قطاع غزة غير قابل للتطبيق، مفسرًا ذلك بقوله: إن مساحة المنطقة العازلة والتي تقدر ما بين 2-3 كيلومتر لن تحقق الأمن لإسرائيل، لأن يد الحركات الفلسطينية ستطالها.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن «الولايات المتحدة ترفض المقترح الإسرائيلي، وتعارض التخلي عن أي جزء من الأراضي الفلسطينية لأي سبب، أو تقليص مساحات في هذا الصدد».
لكن لماذا طرحتها تل أبيب رغم صعوبتها؟
يقول الخبير الاستراتيجي المصري إن الدافع وراء طرح الفكرة يتمثل في محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إظهار للشعب الإسرائيلي أنه فعل شيئا ما، وحقق نتيجة ما من الحرب قبل أن يغادر منصبه، لا سيما أنه سيتم محاسبته على إخفاق الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات (فلسطيني/مستقل)، قال إن الحديث عن المنطقة العازلة أمر من الممكن حدوثه من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية صعب.
وفسر صعوبة الطرح الإسرائيلي لكون «قطاع غزة منطقة جغرافية صغيرة جدا ومكتظة بالسكان، ما يعني أن حمايتها أمنيا صعب، نتيجة الاحتكاك المباشر وقرب استهدافها من الحركات الفلسطينية».
واستدل على رأيه بقوله: مستوطنات غلاف غزة التي كانت منطقة عازلة، لم تنجح في تحقيق الحماية الكاملة للمستوطنات الإسرائيلية، بعد اختراق حماس لها في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فكيف سيتحقق ذلك في وجود منطقة عازلة داخل غزة بعمق كيلومترات بسيطة جدا، ومنطقة مكشوفة قد تكون لها أنفاق وتمركزات دفاع وبالتالي ستكون محل استهداف كبير من المقاومة؟
ويبلغ طول قطاع غزة نحو 40 كيلومترا ويتراوح عرضه بين خمسة كيلومترات و12 كيلومترا، ويعيش فيه نحو 2.3 مليون نسمة في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم.
أهداف مشكوك فيها
ورأى المحلل السياسي الفلسطيني أن الترويج لهذا الطرح لا يتعدى الأطروحات والأحاديث الإعلامية، أو ربما محاولة تبرير ما تقوم به من «تدمير لقطاع غزة».
وبحسب بشارات، فإن ما تقدمه إسرائيل من أفكار حتى هذه اللحظة أو من أطروحات «لا يتناسب مع الواقع، لكن يستند إلى المأمول بالنسبة لها في حال استطاعتها تفكيك الحركات الفلسطينية، وهو هدف أصبح تحقيقه أمرا مشكوكا فيه».
وأشار إلى أن إسرائيل طرحت منذ بداية الحرب عددا كبيرا من الأهداف بينها مسألة التهجير، وتفكيك المقاومة بشكل نهائي، لكنها في نهاية المطاف لم تستطع أن تحقق أيًا منها، فرغم القصف والتوغل البري لا تزال حركة حماس وغيرها تشن ضربات على الدولة العبرية.
واستأنفت إسرائيل هجومها البري على غزة، الجمعة، بعد هدنة استمرت سبعة أيام جرى خلالها تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس.
وأدت التهدئة التي استمرت سبعة أيام إلى إطلاق سراح 103 من الرهائن الذين اقتادتهم حركة حماس، إبان هجومها المباغت على بلدات إسرائيلية حدودية مع قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي المقابل أفرجت إسرائيل عن أكثر من 240 أسيرا فلسطينيا كانوا يقبعون في سجونها.
aXA6IDMuMTcuNzUuMTM4IA== جزيرة ام اند امز