شاب من غزة ينحت مستقبله على جذوع الشجر.. موهبة ورزق
مهند أحمد يحاول أن يحكي موهبته بلغة عالمية، ليقف في وجه البطالة، وينفذ مشروعه الصغير "كوخ" لكي يثبت نفسه كشاب لا يحب الانتظار
لم ينتظر فرصة عمل بعد تخرّجه في الجامعة، لكنه وجد في جذوع الأشجار وأعقاب الأخشاب باباً للرزق، متسلحاً بموهبة الرسم، آخذاً الطرقات والممرات المسيجة بالأشجار ميادين بحث لجمع ما يحتاجه لتنفيذ أفكاره الجديدة.
العمل مع الموهبة متعة
مهند أحمد (26 عاماً) خريج قسم الإدارة الصحية في إحدى جامعات غزة، يحاول أن يحكي موهبته بلغة عالمية، ليقف في وجه البطالة، وينفذ مشروعه الصغير "كوخ" لكي يثبت نفسه كشاب لا يحب الانتظار، ولا الوقوف في طوابير الإعانات المالية.
يقول أحمد لـ"العين الإخبارية" "بدأت فكرتي كهواية في عام 2012، وبعد التخرج لم أنتبه للبحث عن عمل في مجال تخصصي لأنني أعلم مسبقاً أن التوظيف غاية لا تدرك في غزة، ففضلت مباشرة تنفيذ مشروعي الذي وضعته قبل التخرج موضع التطبيق العملي، فبدأت بمشغولات خشبية بسيطة كميدليات وأشكال متواضعة، حتى تمكنت من توفير أدوات ووسائل مساعدة للحفر على الخشب، والتنظيف، والتقشير".
ويضيف: "كان مشروعي في البدايات يعتمد عليّ وحدي، إلى أن تمكنت من فتح سوق لبيع ما أنتجه، فقررت تشكيل فريق عمل مكون من 4 أشخاص، ضمن مشروع أطلقنا عليه اسم (كوخ) وتم فتح محل صغير كمعرض دائم وسط مدينة غزة، بالقرب من الجامعات، وتلقيت الكثير من التشجيع والثناء على ما أصنعه".
الغاية الرزق ومفتاحه الإرادة
ويتابع "أستهلك معظم وقتي بين الورشة والمعرض، وأتابع في المساء عملية الترويج لما صنعناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك وأنستقرام، وغالباً ما أجد راغبين فيما صنعته، لكن الصعوبة تكمن في إيصال ما يرغبون به".
هناك سوق محلية تسهل التعامل معها، حسب أحمد، أما السوق الخارجية فالتعامل معهة تتطلب الصبر "لأن حالة الحصار المفروضة على قطاع غزة تحتم علينا ذلك، وأنتظر مسافرين إلى البلد التي طلب مني أحد مواطنيها اقتناء تحف أو قطع مما أصنعه لكي أوصلها إليه، وهذا يجعلني أنتظر كثيراً، لقلة الحركة والتنقل من وإلى قطاع غزة، أما السوق المحلية فتعتمد على الهدايا والتحف المعبرة، وقليلة السعر، لذا أضطر أن أبقى في مربع العمل حسب المزاج العام، رغم وجود أفكار كثيرة ولكنها مكلفة وتحتاج إلى مشترين مقتدرين".
الأشجار مرايا الموهبة
لا يفكر أحمد في الهجرة بالهجرة، ولا يرغب بالاستكانة وندب الحظ، بل هو من الشباب الذي يمشي صباحاً بين الأراضي الزراعية، باحثاً عن مخلفات البيئة الخشبية، وأغصان الأشجار القوية، وأعقاب الجذوع المرمية، والمتروكة.
"بعض الزبائن يطلبون مني صناعة تحف بمواصفات معينة، أرسمها حسب أهوائهم، وغالباً ما أنجح في تحقيق أفكار زبائني وأحولها إلى تحف خشبية، وأشكالٍ تستحق الاقتناء"، يقول أحمد.
وعن المواد غير الخشبية التي تدخل عمله يقول "أُدخل القماش والزجاج والمرايا والورود المجففة والأغصان الخضراء والخيوط وحتى اللوحات والرسومات المعبرة، وأحياناً الحديد والنحاس، وحسب الأشكال التي تأتيني كأفكار أرسمها قبل تحضيرها على سطوح الجذوع والأغصان وأستخدم المواد اللاصقة والطلاء الكاشف لرونق الخشب، وقليلاً ما أستخدم الألوان المتعددة".
البطالة مرض وعلاجها المثابرة
يزيد أحمد بقوله "الطموح لا يقف عند نقطة واحدة بالنسبة لي، فأنا اليوم أعيل 4 أسر في مشروعي (كوخ) وأفتح معرضي منذ الصباح حتى أول الليل، دون توقف، وأسهر على ترويج منتجاتي، وهذه هي دورة حياتي التي تتشابه فيها أيامي كلها، ولكنني سعيد جداً في عملي، وفي استثمار موهبتي، ولست نادماً على دراستي الجامعية، فكل شيء له أوانه، وأنا لم أتقاعس في طلب وظيفة رسمية، ولكن حال البلد لا يشجع أحداً لكي ينتظر".
ويوضح: "من أجل ذلك أكمل مشواري بأدواتي وموهبتي وفريقي، إلى أن نحقق حلمنا في الوصول إلى معارض عالمية، تفتح لنا أذرعها وتحترم موهبتنا، وأستطيع أن أقول إنني الشاب الوحيد في غزة الذي استطاع أن يصمد في مهنة الحفر والرسم على الخشب وصناعة التحف، على الرغم من أن هذا المجال أصابه الشلل لفترة طويلة، إلا أنني استطعت أن أعيد له مجده، وهناك من الشباب من يأتي لكي يستفيد من تجربتي، ويبني عليها أمنياته، فالبطالة خانقة، ولكن الإرادة يجب أن تنتصر في النهاية".
ويختتم حديثه قائلاً: "عندما أرى ما صنعت يداي في دولة عربية أو غربية من خلال الصور التي ترسل لي بعد أن تصل التحف إلى مشتريها، تكون سعادتي مضاعفة، فقد وصلت مصر، والإمارات، والسعودية، وكثيراً من دول العالم، وهذا يكفيني لكي أشعر بالفخر، والاعتزاز، فالحياة تؤخذ غلابة، ولو من جذع شجرة".